العاصمة

الأربعين وما بعدها

0

كتب : على امبابى

من منا لم ينقبض قلبه ، عند رؤيته اول شعرة بيضاء في مفرق رأسه ، و كأنها راية بيضاء يحملها رسول ، ينذر بانتهاء فترة الشباب ، و غروب شمس الصبا ، بل منا احيانا من تأخذه ظنون نفسه ، فيري تلك الشعرة البيضاء اول خيوط الكفن الذي ينسجه القدر له !! فيقوم بنزعها أو يخضبها بالسواد فيجمع علي نفسه همين ، هم شعوره بالكهولة ، و هم تحايله و كذبه علي نفسه !.

ما بعد الأربعين تصبح نفس الإنسان كالبحر الهائج ، تتلاطم أمواجه و يضيق بشواطئه ، و لا تعرف إن كانت نفسه الراقدة في جوفه كالمحيط الفسيح ، تحمل الخير الواضح ام الشر الفاضح ! و ينظر الي عمره الذي مضي ، و كأنه نجا من ظلمة الرحم الي ظلمة العيش ، و من ظلمة العيش الي ظلمة القبر ، لتحيا روحه معذبة تشيخ قبل أوانها !؟

لقد ذلل الإنسان الكثير من العقبات في الحياة ، و عبر بمعرفته الكثير من العوالم ، فعرف الكواكب و النجوم ، و عرف الأرض و أغوارها ، و سهولها و جبالها ، و عامرها و غامرها و رطبها و يابسها ، و سماها و بحارها ، لكنه وقف عاجزا عن معرفة نفسه و سبر أغوارها ، لتصبح نفسه عصية عليه ، لا يستطيع أن يطوع افكارها ، أو يهذب شتاتها !! فلو ملك زمام نفسه ، لما شعر بالزمن و لا أزمة ما بعد الأربعين ، و لعاشت روحه فتية شابة لا تغيرها الأيام و خطوبها و لا الليالي و ظنونها.

إن الروح القوية التي لا تنالها عوامل الزمن ، فتقف شامخة أبية ، لا تلوي عنقها ، و لا تكسر عزيمتها أنواء الحياة أو الأيام و قسوتها أو العمر و تسارعة ، إنما تستمد قوتها من حبها للحياة ، و فهمها العميق لسنن الله الكونية و بديهيات الدنيا ، ذلك لأن هذه الروح الوثابة تدرك أن الدنيا إنما سميت دنيا من تدنيها و تقلبها بأهلها ، فهي لا تسمح للجسد ان ينكسر أو ينهزم ، بل تشرق اضواء تلك الروح الأبية علي الجوارح ، فتحافظ علي الإبتسامة المشرقة و الجسد المفعم بالحياة المحب لها علي كدرها ، إن الانسان العابر للأزمان يدرك أن الأبدان لا تشيخ إلا عندما تنهزم الأرواح و لا تسقط فروع الأشجار إلا عندما تذبل الجذور.


اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

آخر الأخبار