العاصمة

و انتهى كل شئ بقلم سهير عسكر

0

قصة قصيرة

ُأسدلت ستائر الظلام واكتست السماء بالنجوم اللامعه وأعلنت عن بدء ليلة مبهجة فى حياتى .ليلة عمرى

التى طالما حلمت بها ورسمت ملامحها منذ سنوات وها أنا أرتدى فستانى الأبيض وأحمل بين طياته أحلام

العشق والحب.الحب الذى طالما انتظرته كثيرا

أطالع الساعة بين الفينة والأخرى فى انتظار محمد العريس المرتقب .لم أكن أعرفه جيداً وبعد انتهاء

مراسم الزفاف وبعد يومين ،ودعت أمى واخوتى بعينين زائغتين ووجه شاحب خوفاً من الغربة

والسفر،وانتقلت مع زوجى إلى أرض بعيدة .قرية على الأطراف المترامية فى مدينة مغمورة لم يسمع بها

أحد حيث يعمل بهندسة المعمار،وفور وصولنا إلى القرية كان الظلام حالكاً فلم أستطع التحقق من شئ

بها وفى الصباح استيقظت على زقزقه العصافير نظرت حولى فلم أجد محمد بالغرفة .طرت كالفراشة نحو

،ورحت أجيل ببصرى فلا شئ يحيطنى سوى مساحات من الأراضى الزراعية الخضراء وبيت صغير على

مقربة منا تظهر منه شابة جميلة تلوح بيديها.ارتبكت وتلفت حولى حتى تيقنت بأنها تشير إلىّ وفجأة

ظهرطفلان بجوار الفتاة ،وأشاروا بدورهم أيضاً وابتسما فى سعادة بالغة
ابتسمت وطرت فرحأ كالطفلة بأن لى جيران أحباء أستأنس بهم من وحشة المكان،واستفقت فجأة على صوت محمد ينادى
-بتعملى ايه ياحبيبتى؟
التفت إليه: ولا حاجة ..تعالى شوف الولاد الحلوين دول،وفجأة اختفى كل شئ
-هما فين؟
-كانوا هنا!!
-هما مين؟محدش ساكن فى المنطقة دى غيرنا ياحبيبتي
-ازاى؟……و…….و الولاد وأمهم اللى كانوا هنا
-تعالى بس تعالى .أنا النهاردة عندى شغل وهتأخر
قلت بلهجة ثائرة والكلمات تختنق بحلقى:
-شغل…احنا بقالنا يومين بس متجوزين،وكمان مفيش شبكة تليفون ولا نت أكلم حد من أهلى ..طاب خدنى معاك
-ماينفعش…شغلنا كله رجاله وبعدين دول كام ساعة وراجع..لازم تتعودى..أومال لما أسافر هتعملى ايه؟
-تسافر!
وعندما أقبل المساء .ارتدت السماء عباءتها الحالكة السواد والسكون يملأ المكان فلا شئ سوى نقيق الضفادع،وفجأة انقطعت الكهرباء
تحركت فى الظلام بحثاً عن شئ أُنيره سمعت صوتاً غريبأً وكأن أحداً ينادى من بعيد يزداد صداه فى كل أنحاء الغرفة صوتاً غريباً لم أسمعه فى حياتى ،وضحكات وهمهمات يزداد صداها ..ارتعدت فرائسي وجلست على الأرض إلتصقت بإحدى حوائط الغرفة منكمشة على نفسي ..يزداد الصوت يقترب ويبتعد ..ضحكات وبكاء..صراخ وعويل .أما انا فلا يسعنى سوى البكاء حتى سمعت وقع أقدام تصعد ببطء على الدرج .إلتقطت أنفاسي وابتهجت للحظة ظناً منى بأنه محمد
انفتح باب الشقة ،واقتربت الأقدام أكثر وأكثر وثمه ضوء ضعيف يأتى من بعيد ..ركضت نحو الضوء لأرتمى بأحضان زوجى أشكوه وأعاتبه على تركه لى وحيدة فى ذاك المكان المخيف .اقترب منى الظل شيئاً فشيئا وتحققت منه فوجدتها تلك الشابه تبرق عيناها وتسيل منهما الدماء وثمه طعنه كبيرة فى صدرها وأخرى ببطنها تتدلى أحشائها حتى تكاد تقترب من الأرض..تدنو منى أكثر وأكثر وهى مازالت تنادى علىّ بصوت مخيف.أرجع إلى الوراء..تتعثر قدماى..وتتخبط فى كل خطوة وفجأة ظهر شبح آخر إقترب منى ومازال الصراخ مستمراً والنداءات لا تنقطع
تحققت مرة أخرى وفعلاً وجدته محمد وكأنه ليس هو تسيل الدماء من عيونه ويتطاير الشرر منهما يتحرك بصورة آلية ممسكاً بسكين تسيل تسيل منه الدماء متجهاً نحو الفتاة وما أن رأته صرخت وجرت بعيداً ،ومحمد يركض خلفها وتركونى وحيدة والأضواء تنطفئ وتضئ وثمه عيون كعيون القطط فى الظلام تظهر وتختفى فى كل مكان .تنطبع على الحوائط
يتعالى الصراخ حتى يكاد يصم الآذان وأصوات الحيوانات والقطط فى كل مكان
سقطت وخارت قواى وغبت عن الوعى
فى الصباح استيقظت على صوت محمد: كل ده نوم؟
قفزت وقلت فى فزع:
-انت مين؟
-مين دا ايه؟ أنا محمد ..انتى نمتى على الأرض ليه
-انت…انت..أنا..أصلى امبارح حصلت حاجات غريبة وانت كنت ماسك سكينة وبتجرى ورا الست عاوز تقتلها
-ست مين؟ انتى بتقولى ايه؟
-الست اللى ساكنه قصادنا
-قلتلك محدش ساكن هنا..إهدى بس وتعالى إفطرى معايا
-لأ..انا عاوزة أمشي من هنا..رجعنى لأهلى
-حاضر بس اهدى ..بعد ما أرجع من الشغل هنمشي مع بعض
-انت هتسيبنى تانى
-أومال أسيب شغلى وأقعد جنبك
-طاب خدنى معاك
-قلتلك ماينفعش ..انتى مابتفهميش
وتركنى ليلة أخرى وحيدة ..انقطعت الكهرباء مرة أخرى وصار كما صار بالليلة الماضية وظهرت الفتاة ،وراحت تتجول بالمنزل فى الظلام ،واتجهت ناحيتى وقالت بصوت مزدوج ومخيف:
-أنا مروة ..أنا انتى يا مروة ..ودا محمد اللى قتلنى ودبح أولاده
صرخت بكل ما أوتيت من قوة حتى قاربت على الانهيار ..ركضت والفتاة تركض خلفى والأصوات تتعالى حتى سقطت مغشياً علىّ كما حدث فى البارحة،واستيقظت على صوت محمد أيضاً
-انتى كل يوم تنامى على الأرض كده؟
قلت وأنا ألتقط الكلمات التى احتبست بداخلى:
-عاوزة أمشي
-ما أنا رجعت لاقيتك نايمه وتعبانه
-أمشي
-انتى اللى طالع عليكى أمشي..أنا زهقت منك خلاص..عاوزة تمشي امشي
-انت عاوز تقتلنى وأنا همشي قبل ماتعملها
-لا..انتى اتجننتى خالص
مرت الأيام والليلة تلو الأخرى وأنا مريضة طريحة الفراش أعانى الهلاوس والهواجس .الدماء تسيل كل كليلة على أرضية الشقة والأشلاء فى كل مكان والأصوات لاتسكت تدق رأسي وكأنها تعيش بداخلى
احتلت الشمس الذهبية قلب السماء واشتد توهجها واجتمع الأصدقاء والأقارب وراحوا يتمتمون فى ضيق شديد معترضين على مايحدث ،وأنا أتفرس الوجوه وأمسح حبيبات العرق المتجمعه فوق جبينى بمنديلى الأبيض الذى يذوب ويتغير كل خمس دقائق بفعل الحرارة وضيق النَفس الذى وصلت إليه.لم أشعر بنفسي حينها أهذى وكأننى محمومه
وأخيراً نطق محمد بعد أن أجهض كل محاولاتهم بالتراجع عن ذاك الطلاق،وانتهى كل شئ،وانفصلت عن زوجى بعد شهر واحد من الزواج،وعدت لأهلى وانقطعت أخبار محمد

وبعد عام
-يللا يا مروة ..إتأخرنا كل ده بتتفرجى ع المحلات..ايه رأيك فى الفستان ده؟
-لا يا ماما مش حلو..بصى دا أحلى
وفجأة اصطدمت بفتاة تفرست وجهها قليلا وتيقنت بأنها هى
فزعت الفتاة وراحت تركض بكل مافيها وأنا اركض خلفها وأصرخ:
-هى ..هى البنت يا ماما..هى اللى كانت فى الشقة
ومازالت الفتاة تجرى ..لمحت محمد ينتظرها على رأس الشارع،وأطبق على يدها وغابا واختفيا فى لمح البصر .تسمرت فى مكانى أفكر وأعيد الذكريات علنى أجد اجابة مقنعه لما حدث لى
***تمت***

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading