(الجيتار)
إيمان العادلى
نبدأ معا سلسلة حلقات جديدة من ملفات المخابرات المصرية
الجزء الأول
في إحدي الليالي من شهر مايو عام 1969م وفي ذلك المبني العظيم الذي يتسم دوماً بالهدوء والذي غرق تماماً في صمت دام طويلاً علي الرغم من النشاط المُكثَّف الذي يحدث خلف تلك الأبواب المغلقة
وفجأة تحرك اثنان من الصقور المصرية عبر الأروقة داخل ذلك المبني العظيم في سرعة وخفة والحماس يملأ وجهيهما ثم توقفا أمام حُجرة في نهاية الممر وقام أحدهما بطرق بابها في هدوء وانتظر حتي سمع صوتاً يدعوه مع زميله للدخول فدفعا الباب ودخلا إلي الحجرة في وقت واحد
وتركز بصر الصقريْن علي الرجل الجالس خلف ذلك المكتب الكبير والذي استقبلهما بابتسامة بعثت لهما الشجاعة وهو يقول : عاطف وحسين …أليس كذلك؟؟
في الحقيقة لم يكن هذا هو اسميهما المدونين في بطاقتيهما الشخصية ولكنهما مجرد إسمين يُستَخدمان داخل المبني طبقاً لمقتضيات الأمن المتعارف عليها في عالم المخابرات لذلك فقد أجاب الشابين بلسان واحد وبكل ثقة : بلي
وفي الواقع كانا الشابان يشعران بشئ من الإنفعال وهما يقفان أمام ذلك الرجل الذي يعد أحد أبرز الصقور المصرية والذي استدعاهما شخصياً إلي مكتبه لأول مرة منذ أن أنهيها تدريبهما في القسم (3ج أ) وهو القسم الخاص بالتدريب علي التعامل والتعايش في المجتمعات الإسرائيلية
لذلك كان هذا يملأ مشاعرهما بمزيج من الحماس والانفعال والرهبة جعلهما يفضلان الصمت تماماً بعد كلمة (بلي) والرجل خلف المكتب الكبير يفحصهما ببصره بعين خبيرة وكأنه يُقَيِمهما بسرعة ثم قال لهما في حسم: يا شباب لقد اجتزتما تدريباتكما بنجاح وأعتقد أنكما تستطيعان خوض تجربة حقيقية
كانت تلك الكلمات من رجل المخابرات هي إشارة تعني سفر الشابان إلي إسرائيل نفسها إبان تلك الفترة التي كانت قد بلغت الأمور حد الذروة وتوترت الأوتار بين الطرفين مصر ..واسرائيل إلي أقصي الحدود بعد حرب يونيو 1967م واستعدادات مصر القوية لخوض معركة مُتوقعة لاسترداد الأرض السليبة سيناء
لكن هذا لم يمنع كلاً من (عاطف وحسين) من القول بكل حماس وثبات :ونحن رهن إشارة مصر يا سيدي ولن نتردد لحظة في التضحية بحياتنا من أجلها
ابتسم الصقر المصري المُحنَّك وهو يقول : عظيم يا شباب…عظيم …إذن سنرسلكما بالفعل إلي قلب إسرائيل ….ثم أشار بسبابته قائلاً: وتحديداً تل أبيب …في مهمة عاجلة للغاية
وفي لهفة ممزوجة بالفضول طرح أحد الشابين سؤال قائلاً: عملية عاجلة !! هل سنحضر بعض المعلومات السرية ؟؟؟ أم سننقذ عميل يتعرض للخطر؟؟؟
وهنا اتسعت ابتسامة الصقر المُحنَّك ثم تراجع في مقعده للخلف وشبك أصابع كفيه أمام وجهه وهو يُجيب بشئ من الغموض : في الحقيقة المطلوب منكما يا شباب هو إحضار شئ من هناك من تل أبيب …ثم اعتدل ونظر إليهما مباشرة وتابع وهو يشير بسبابته قائلاً: إنه جيتار …جيتار عادي جداً
فاتسعت عينا الشابين في دهشة وابتسامة تزداد اتساعاً وغموضاً وقالا في نَفَسٍ واحد :جيتار !!!!
قبل هذا اللقاء بشهر واحد وتحديداً في 20 أبريل من العام 1969م دخل شاب هادئ الملامح إلي مكتب الاستعلامات الإسرائيلي توريسرائيل في المبني رقم (59) وتحديداً في شارع جيمس في العاصمة البريطانية لندن وهو يحمل جيتاره الخشبي البسيط في يده وحقيبة بسيطة علي كتفيه
كان يبدو ذلك الشاب واضح الفقر وهو يسأل موظف المكتب بلهجة مُهذبة وبلغة انجليزية ركيكة يغلب عليها لهجته الفرنسية الواضحة : من فضلك يا سيدي قُل لي كم يكلفني السفر إلي إسرائيل؟ والإقامة فيها لبعض الوقت؟
يتبع غدآ أن شاء الله
أعجبني
تعليق