المقالات

هل يتحطم الحلم الصهيوني على الصخرة المصرية؟!

بقلم / ناصر السلاموني
منذ نهاية القرن قبل الماضي، والحديث لا ينقطع عن التخطيط الإسرائيلي لإنشاء كيان صهيوني في فلسطين، ثم التوسع بعد ذلك لتصبح “إسرائيل الكبرى” هي القوة المهيمنة على الشرق الأوسط. لم تكن هذه الأهداف مجرد أوهام أو طموحات منعزلة، بل خُطط لها بعناية، ورُسمت خرائطها في دهاليز السياسة الغربية، وصُدّق عليها في الكونغرس الأمريكي عام 1984 ضمن مشروع لتقسيم الوطن العربي إلى 34 دويلة صغيرة تكون فيها إسرائيل هي السيد المطلق وصاحبة القرار.
لم تكن تلك الخريطة مجرد رسومات على جدران الكنيست، ولا كان الخطان الأزرقان في علم إسرائيل مجرد زخرفة، بل هما رمزان لنهر النيل والفرات، في دلالة صريحة على النطاق الجغرافي المستهدف. وقد تحوّل هذا الطموح إلى إستراتيجية عملية تُنفّذ اليوم على الأرض بلا مواربة، مستغلة كل حدث وكل أزمة لتحقيق تقدم في هذا المشروع.
أولًا: المخطط الصهيوني في عمقه العسكري
في إطار هذا المشروع الصهيوني، بات تنفيذ الخطط العسكرية يتم وفق سيناريوهات مدروسة، وليست اعتداءات عشوائية. فالهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت محيط القصر الرئاسي في سوريا لم تكن بغرض اغتيال الرئيس الجديد، بل كانت تنفيذًا لخطة شاملة لإعادة تشكيل الخريطة الاستراتيجية للمنطقة بما يخدم مصالح تل أبيب.
سوريا، بوابة الشمال، وجار استراتيجي خطير لإسرائيل، لا يُسمح لها بالاستقرار ولا باستعادة عافيتها العسكرية. فبعد أن كان بشار الأسد يحظى بحماية غير مباشرة من موسكو، جاء النظام الجديد في دمشق بخطوات جريئة نحو تقارب تركي، بل والتخطيط لاتفاق دفاعي مع أنقرة يسمح بوجود قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية. فكان رد إسرائيل عنيفًا، وخرج وزير الدفاع مهددًا بأن “أي تحرك تركي سيكون له عواقب وخيمة”، وتبع ذلك قصف مواقع كانت تُجهّز للانتشار التركي، مثل مطار حمص العسكري وقاعدة “T4”.
وعندما تسربت تلك الأنباء إلى الموساد، بدأت تل أبيب حملة منظمة لمنع هذا التقارب، فهرولت القيادة السورية الجديدة إلى قطر طلبًا للوساطة مع روسيا لإعادة غطاء الحماية الروسية الذي تمتعت به دمشق سابقًا.
وفي موازاة ذلك، تتذرع إسرائيل بحماية الطائفة الدرزية، فتتدخل كلما وقع خطر عليهم، كما حدث في المجزرة التي راح ضحيتها 36 درزيًا، وادعت حينها أنها “المدافع عن أمن الدروز”، في حين أن الهدف الحقيقي كان بسط الهيمنة على الجولان وجبل الشيخ وجنوب دمشق، ومنع التمدد التركي، وطمأنة الدروز داخل إسرائيل، خاصة العسكريين، بأن تل أبيب حريصة على أمنهم في كل مكان.
واليوم، وبعد أن تعرض مطار “بن غوريون” لضربة رمزية من الحوثيين، يتوقع الجميع أن يكون الرد الإسرائيلي أشد وأوسع، بتكثيف الغارات على لبنان وسوريا، وزيادة وتيرة التدمير والتجويع في غزة، والضغط على إيران في اليمن ومدخل البحر الأحمر، في إطار خطة ضغط إقليمي شامل، تستغل فيها إسرائيل أي تهديد لتوسيع نفوذها وتحقيق أهدافها الكبرى.
ثانيًا: الجانب السياسي والاجتماعي من المؤامرة
الجانب العسكري ما هو إلا جزء من مشهد أوسع. فالمخطط السياسي والاجتماعي لا يقل خطورة، بل يُعد الأخطر لأنه يعمل على تغيير بنية المجتمعات من الداخل. ففي دول الخليج العربي، يتم منح الجنسية لليهود الأوروبيين والأمريكان تحت ذرائع متعددة، ليصبحوا مواطنين عربًا بحقوق كاملة، بل ويُدفع بهم تدريجيًا إلى مواقع التأثير والقرار، ما يُمهّد لانقضاض ناعم على الحكم في هذه البلاد.
إنها سياسة طويلة الأمد تستهدف تمكين العناصر الموالية للصهيونية من التحكم في مفاصل الدول العربية من الداخل، بعد إخضاع الإعلام والتعليم والثقافة لخدمة هذا التوجه. وهو مخطط يتم تنفيذه بإتقان، بصمت، وبدعم دولي، وتحت مسميات مثل “الانفتاح”، و”التسامح”، و”التنوع”.
ثالثًا: الهيمنة الاقتصادية وإخضاع القرار العربي
أما من الناحية الاقتصادية، فإن الهيمنة باتت شبه كاملة. فالعرب لم يعودوا يتحكمون في مواردهم، ومدخراتهم النفطية تحت إدارة بنوك أمريكية وأوروبية، والاستيراد بات السمة الأساسية لاقتصاداتهم. أصبح من الطبيعي أن تفتخر بعض الدول العربية بأن مصانع أوروبا تُزوّدهم بكل شيء، وأن الشركات الأجنبية هي من تدير مصانعهم ومطاراتهم وموانئهم وحتى مدارسهم ومستشفياتهم.
ليس هذا فحسب، بل إن الأصول العربية تُباع أمام أعين الجميع: أراضٍ، مصانع، مبانٍ، وحتى المتاحف والجامعات. بل وظهرت قرارات مثل القرار المغربي الذي يمنح اليهود المنحدرين من أصول مغربية الجنسية وإعادة ممتلكاتهم، والتي تم بيعها منذ عقود، بقوة القانون. هذا يعني عودة النفوذ الصهيوني بقوة إلى المجتمعات العربية تحت عباءة “الحق التاريخي”، في تمهيد واضح لامتداد الهيمنة الإسرائيلية.
رابعًا: مشهد مرعب وتحذير نبوي
إن ما يحدث اليوم ليس عشوائيًا، بل هو تنفيذ دقيق لهندسة جيوسياسية تهدف إلى:إضعاف الجيوش العربية وتفكيك المجتمعات طائفيًا وعرقيًا وتدمير الاقتصاد المحلي بالاعتماد على الاستيراد وتطويع العقول، خاصة الشباب، لقبول إسرائيل كقوة لا تُحاسب
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوضع حين قال:”يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها…”قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟
قال: “بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل…”
وفي حديث آخر: “لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة…”فهل نحن على وشك السقوط الكامل؟ وهل أصبح الحلم الصهيوني قاب قوسين أو أدنى من التحقيق؟
الإجابة مرهونة بوعي الشعوب وصدق القيادات. وإذا كان الوطن العربي قد خضع في أجزاء كثيرة منه لهذا المخطط، فإن مصر، بحكم التاريخ والمكان والدور، أصرت بوطنيتها ألا تكون جزءًا من هذا الاستسلام. مصر التي أسقطت المشروع الاستعماري منذ الهكسوس مروراً بالتتار والصليبيين وحتى فرنسا وانجلترا كانت ومازالت صخرة تتحطم عليها كل مؤامرات الشرق والغرب بفضل قيادتها الحكيمة وشعبها الواعى.
منشور ذات صله بالمحتوى

العاصمة

يشارك
تم النشر بواسطة
العاصمة

المشاركات الاخيره

محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يشهدان ندوة عن ” البناء الفكري وتصحيح المفاهيم”

الكاتبة تهاني عناني شهد المهندس ايمن عطية محافظ القليوبية ،والدكتور ناصر الجيزاوى رئيس جامعة بنها… اقرأ المزيد

5 ساعات منذ

في وداع الحاج طاهر درهم العبسي: أحد أعمدة الجيل الذهبي

  في كل صباح تحملنا فيه أشعة الشمس الباكرة، نكتشف أن بيننا قد غابت شمس… اقرأ المزيد

8 ساعات منذ

الدروز بين الضلال الديني والاستغلال الإسرائيلي

بقلم: ناصر السلاموني بعد هجوم إسرائيل على دمشق بالقرب من القصر الجمهوري بحجة حماية الدروز،… اقرأ المزيد

11 ساعة منذ

“إثراء الخير” تعتبر أول مؤسسة حج سعودية تفتح فرعًا خارج المملكة

علاء حمدي تعتبر "إثراء الخير" أول مؤسسة حج سعودية تفتح فرعًا خارج المملكة حيث افتتحت… اقرأ المزيد

11 ساعة منذ

“خالد السلامي’ يثمن مشاركة شرطة أبوظبي في مراسم وفعاليات «قادرون» لأصحاب الهمم

علاء حمدي اشاد المستشار الدكتور خالد السلامي عضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان… اقرأ المزيد

11 ساعة منذ

المملكة العربية السعودية تشهد قيام دار وإعمار بإطلاق مشروع “سرايا الشرق” في مدينة الدمام

علاء حمدي شهدت المملكة العربية السعودية قيام دار وإعمار بإطلاق مشروع "سرايا الشرق" في مدينة… اقرأ المزيد

11 ساعة منذ