العاصمة

اللغة في عصر الفضاء الأزرق

0

 بقلم / منير راجي

لقد كثر الجدال و النقاش حول لغة الابداع , و راح كل ناقد و مفكر و أديب يدلي بأرائه حول كيفية التعامل مع اللغة في التأليف و مدى أهميتها في ايصال المفاهيم الأدبية و الاجتماعية و السياسية لدى القارئ…
لكل أديب رصيد لغوي يمكنه من الكتابة و التأليف , الا أن هذا الاختلاف في كيفية استعمال هذه اللغة و كيفية التعامل معها لغرض الوصول الى الهدف , فلا ننسى أن المبدع دوره الأساسي هو طرح أفكار ما و جعل القارئ يقتنع بها , و ليس عرض كلمات و جمل تبرز من خلالها العبقرية اللغوية للمبدع .., طبعا نجد أن اللغة تختلف اختلافا كليا من لون أدبي لآخر , فلغة القاص ليس بالضرورة لغة الشاعر و لغد الناقد ليست هي لغة المسرح أو السينما …
هذا مع الأخذ بعين الاعتبار مضمون و محتوى الانتاج الأدبي , كما نجد أيضا أن اللغة ترتبط ارتباطا وثيقا بثقافة أفراد المجتمع .., و من خلال هذه النقطة بالذات أصبحت اللغة تسير وفقا للتقدم و جعلها تأخذ طابعا خاصا و هذه مسألة حتمية لا مفر منها , و اعتقد شخصيا أن هذا ليس ضعفا كما يعتقد بعض المفكرين و انما تطورا لها , فالكلمات و المفردات العلمية أصبحت حاليا تأخذ حيزا كبيرا في قاموسنا اللغوي , فتسمية الاختراعات و الاكتشافات أدت الى بروز _ مصطلحات _ جديدة لم يسبق لها أن وجدت من قبل , و هذا شيئ منطقي و مفروض و متوقع أيضا …
مما أدت أيضا الى تغيير مفاهيم و أفكار المجتمع و جعلته أكثر تفكيرا و أكثر ملاحظة و أكثر استنتاجا و أقل ثرثرة , و اسمحوا لي _ حضرات _ الأدباء أن أقول لكم , أنكم أصبحتم بعيدين كل البعد عن مفهوم الأدب و الابداع , و أصبحتم تطلقون كلمة أديب الا على الانسان الذي يلعب بلغة لعبا , فما فائدة فخامة اللغة اذا كانت لا تصل الى فوهة الأذن , ان الأدب ليس زحرفة و انما أفكار و اصلاح و تعبير صادق عن حالة ما , و الأديب الحق هو من استطاع أن يصل بأفكاره الى قلب القارئ و أن يحرك مشاعره ..
اخبروني أيها الأدباء الأعزاء , كيف ستحركون مشاعر الناس بفخامة لغتكم بعدما أصبحت لا تجدي شيئا في عصر _ الفيديو و الكونكورد _ , و هنا لست بصدد انكار دور الأدب في تطوير المجتمع و انما بصدد تغيير مفهوم الأدب الذي تغير مفهومه عند كافة أدباء العالم , ما عدا أدبائنا العرب اللذين تشبتوا بلغة أبي تمام و المتنبي , ان الأدب ليس عاجزا عن خدمة المجتمع و انما أنتم اصدقائي الأدباء عاجزون عن ذلك …
أتعرفون لماذا ؟؟
بكل بساطة لأنكم تفتقرون للمادة العلمية , و من افتقر لهذه المادة أصبح منعزلا عن المجتمع بلغته و بتفكيره و حتى في طريقة كتابته و ابداعه , فكيف يستطيع الأديب في هذه الحالة أن يغير في حياة المجتمع و يخدمه ؟!! , و هذا هو السبب بالذات الذي جعل _ رفوف مكتباتنا _ مكدسة بالكتب الأدبية على مختلف ألوانها و خاصة مؤلفات كتابنا , فلا من قارئ و لا من مستمع , ترى ما هو السبب ؟ هل هذا ناتج عن ضعف مستوى القارئ لغويا ؟ أم عن فقدانه الذوق الأدبي ؟
الحقيقة لا هذا و لا ذاك , و انما هو الاختلاف الزمني بين الأديب و القارئ , أقصد أن الأديب يعيش بلغته في العصر العباسي و القارئ يعيش بأفكاره في الحاضر , هذه الأفكار التي لها لغتها الخاصة و أسلوبها الخاص ,
يعتقد بعض أدبائنا أن الأديب يجب أن يبقى أديبا بلغته , أي باللغة التي يتطلبها الأدب , فالأدب لغة قبل كل شيئ , من خلال هذا القول يظهر جليا أن اللغة هي التي تتحكم في الكتابة الابداعية , و لكن أنا شخصيا أعتقد غير ذلك , ففي وقتنا الحاضر أصبحت الظروف الاجتماعية و السياسية و حتى العلمية هي التي تفرض لغة معينة على الأديب …
بدون شك ستكون اللغة _ علمية _ و هذه الأخيرة لا نلمسها في الكلمات فحسب و انما في طريقة التفكير و بعد النظر و العمق في المضمون و السهولة و البساطة في ايصال الأفكار الى القارئ , و لابد على أدبائنا أن يفكروا جيدا بأن مؤلفاتهم ليست لأصدقائهم الأدباء و انما للسواد الأعظم من الشعب أي _ للطبيب و المهندس و الحداد و النجار و..و..و…
هناك نقطة أخرى مهمة , كثيرا ما استغربت لها حين وجدت أن الكثير من أدبائنا يقفون حجر عثرة في وجه التجديد و خاصة في وجه الشعر الحر و القصيدة النثرية _ الفنية _ , الحقيقة ليس هناك أي مبرر للمعارضة … لقد راح بعضهم يقول أن سبب ظهور هذا اللون الشعري الجديد هو ضعف الشعراء لغويا….و الله لست أدري كيف يفكر هؤلاء ؟ ان هذا ليس ضعفا لغويا و انما تطورا فكريا سببه التقدم الحضاري و التكنولوجي , صدقوني ان قلت لكم أن هؤلاء المجددين ليسوا عاجزون عن كتابة القصيدة العمودية و انما التصنع و التكلف في كتابتها سيجعل الشاعر يحيد كثيرا عن هدفه و عن قرائه , سأسوق لكم أحبائي الأدباء مثالا حيا عن ذلك :
نعرف جميعا أن الحضارة العمرانية بلغت أوجها في العصر العباسي و حتى الأندلسي , و ما قصر الحمراء و الزهراء الا دليل على ذلك , هل هذا معناه أن مهندسي وقتنا الحاضر عاجزون عن ابداع مثل تلك التصاميم ؟ أبدا … و انما الظروف العصرية لا تسمح بذلك , فبدلا أن يبني قصرا لمساحة شاسعة , بامكانه استغلال نفس المساحة في بناء حي سكني بجميع مرافقه , و هنا تعم الفائدة أكثر , فالقصيدة كذلك .. أضف الى ذلك أنني لا أجد مقياسا أدبيا أو لغويا يتعارض مع هذا التجديد , و الحكم دائما يكون للقارئ , فالقارئ هو المقياس الأول و الأخير لهذا التجديد , و مقياسه يتمثل في مدى اقباله على هذا النوع من الشعر و مدى تأثره به ..
شخصيا لا أعتقد أن هناك نقاش حول لغة الابداع و الكتابة و انما هناك نقاش حول طريقة الكتابة و كيفية الوصول الى قلب القارئ .
بقلم / منير راجي / وهران / وهران / الجزائر


اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

آخر الأخبار
حريق سنترال رمسيس.. تنظيم الاتصالات: استعادة وانتظام الخدمات خلال 24 ساعة واستخدام سنترالات بديلة حريق سنترال رمسيس: النيران تشتعل مجددا بالطابق السابع حريق سنترال رمسيس.. جهاز تنظيم الاتصالات: بدء مرحلةً التبريد ونقل حركة الإنترنت إلى سنترال الروضة وزارة الطيران تعلن تأثر حركة الطيران بسبب حريق سنترال رمسيس حريق سنترال رمسيس.. اتصالات النواب: عودة خدمات الإنترنت والاتصالات على مراحل خلال ساعة محافظ القاهرة يؤكد على استمرار إجراءات التعامل مع العقارات ذات الخطورة الداهمة والآيلة للسقوط و حصره... محافظة القاهرة احتفلت بعيدها القومي ذكرى مرور ١٠٥٦عام على تأسيسها علي يد القائد جوهر الصقلي عام 969 ... رئيس هيئة النيابة الإدارية يستقبل رئيس المحكمة الدستورية العليا، ووفدًا من السادة المستشارين نواب رئ... وزير الصناعة والنقل يستعرض مع مصنعي السيارات التعديلات الجديدة في البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيا... بيان إعلامي من الهيئة القومية لسكك حديد مصر عن مسير قطار رقم 906 (VIP) القادم من الإسكندرية للقاهرة