العاصمة

ولا زال الهبد مستمرًا

0
أحمد السندوبي
سؤال اعتدت عليه دائمًا مع اختلاف لفظه ولغته: “لماذا أتيت مبكرًا؟”
المشكلة أنني لا أذهب مبكرًا، فقط أحضر في موعدي وربما متأخرًا بعض الشيء ولكن الذين
يسألون اعتادوا على المجيء متأخرين أكثر فاختلطت عليهم المقاييس.
أثناء التجهيز لاختبار الزمالة البريطانية كانت هناك لجنة لاختبار التواصل -Communication- مع
المريض وذويه، فكان علينا دراسة السيناريوهات التي من الممكن أن نواجهها في الاختبار، من
السيناريوهات الشهيرة أن يسألك الممثل الذي يقوم بدور المريض أو أحد أقربائه عن زمن الشفاء
أو كم تبقّى للمريض في الحالات المتأخرة جدًا، هناك تعليمات مشددة أن تكون دقيقًا لأن هناك
اثنين من الممتحنين يتابعانك كصقرين في انتظار أي هفوة أو إشارة أو أي معلومة ليست مبنية على
أساس علمي.
عليك مواجهة أسئلة المريض: (متى أعود للعمل؟
متى أستطيع قيادة السيارة؟ متى يجب عليّ إعادة الفحص؟)
لابد أن تكون حاضرًا بإجابة دقيقة.
أما في سيناريوهات الحالات المتأخرة التي ليس
لها علاج شافٍ، فيظل الممثل يراوغ يمينًا ويسارًا محاولًا اقتناص كلمة منك تحت أنظار الصقرين
المتحفزين؛ كم بقى لوالدتي؟ أيام أم شهور؟ هل ستعيش حتى العيد المقبل؟ هل أتصل بأخي في أستراليا كي يحضر؟
المطلوب لا تعطي زمنًا محددًا، لا يوجد ثوابت في الطب في هذه النقطة فكل مرض يسلك سلوكًا
مختلفًا من مريض لآخر، ربما المريض الذي كنا نظنه لن يعيش حتى الصباح يظل حيًا لأسابيع
بينما المريض الذي يُحدد له الفحص التالي بعد عام لاستقرار حالته يموت في اليوم التالي. لذلك
عليك في الاختبار المراوغة وعدم اعطاء أية أرقام قد تحاسب عليها فيما بعد.
الوضع عندنا مختلف فتجد من يهول الأمر ويرسم صورة سوداوية أكثر من الواقع حتى يتوقع
المريض الأسوأ، ومن يعطي أملًا زائفًا وإذا حدث ما يخالف فـ”الأعمار بيد الله”.
أما خارج إطار الطب فحدّث ولا حرج.
لا زال الزمن لم يأخذ وضعه على رف اهتمامنا
كبعد رابع وأساسي، مازلنا نرد على الأسئلة بأي رد دون تفكير في عواقب مانقول أو كما يقول
الشباب “نهبد”.
ومازال هذا “الهبد” الزمني عقدة عندي شخصيًا
لأني لازلت غير قادر على التكيف معها.
فنداء إلى أصدقائي الأعزاء رجاء مراعاة عجزي
عن مجاراتكم في الهبد، لقد أصبح الأمر بالنسبة إليّ عاهة مستقيمة، فكلما حاولت إقناع نفسي أن
مواعيدكم هي محض (هبدٍ) ولا طائل من انتظارها أجدني عند الموعد منتظرًا، فالرجاء منكم عدم
إعطائي مواعيد على سبيل الهبد للأنني للأسف أصدقها وأبني عليها الكثير من الحسابات والنتائج.

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading