العاصمة

لا تدرى نفسى  بقلم : سامى علوان

0

قصة قصيرة

بمجرد أن همس إليه إبنه الصغير بكلمات وسط حالة بكائه حتى ترك المعول من يده وحمل جلبابه على يده وعاد أدراجه يشعر وكانه لم يعد لديه القدرة على متابعة المسير .
بغاتته أحاسيس ومشاعر لم يدركها تجاه أحد من قبل .
وما أن توجه إلى مربط حمارة وكاد أن يفك قيده ليصاحبة الطريق حتى عاد وتوجه حيث حمار أخيه لما يعرف عنه من قوة وتحمل .
قفز على حمار أخيه وإستدار به مسرعا الخطى ناحية البندر وأخذ يحث الحمار على المسير وهو يضربه بالعصا .
لم تمض سوى لحظات قليلة إلا ووجد نفسه كم إشتاق إلى أخيه ، وكم يحتاج إلى الحديث معه .
بيد أنه لم يكن مجرد أخ كبير ، كان الأب ، الأخ ، الذى إحتضنهم منذ نعومة أظافرهم .
يقفز بحمار أخيه يحاول اللحاق بقرص الشمس الذى أخذ فى الإحمرار والسقوط رويدا رويدا على مرمى البصر .
فى ثوان معدودات لم يعد كما كان ، وكان كل شىء أمسى بطيئا للغاية ، أطلق لجام حمار أخيه فى محاولة يائسة ليسرع الخطى ناحية البندر حيث السوق الكبير ومحلات بيع الأقمشة ، يتأمل هذا المسير حتى تشابه عليه فما عاد يهتم .
أى تشرد هذا ؟ .
والشمس فى طريقها تهوى بسرعة والآفاق الممتدة تضيق عليه حتى أن حمار أخيه أخذ يترنح يكاد لا يبرح مكانه بعدما غلبته دموعه وحنينه إلى صاحبه ، وأخذ ينتحب فى صمت ينعى وفاة صاحبه .
كيف يستوعب حجم الخيبة والأحزان التى إرتسمت فى العيون وهى تنظر إلى جسد صاحبه الممدد على الأرض وسط الجرن الكبير .
وكان الصورة قد توقفت فى عينيه وتجمدت ملامحها ، حتى أنه لم يعد يحس بلسعات ودوى العصا التى تنهال على جسدة تحثه على المسير .
لا
لست أبكى على صاحبى !
احس أنه قد تخلى عنى وتركنى أواجه تلك العواصف والأعاصير المتواترة .
ألا يتذكر !
كم كنا نتقاسم الأفراح والأحزان معا ؟ .
فما أصعب أن تعيش بلا رفيق !
وما أصعب أن تبكى فى صمت !
وما أصعب تلك الهمهمات التى تثور فى صدرى !
تسمرت أقدامى وسط تكدس المارة وتزاحمهم وتزايدت الأنفاس وكادت أن تحرقنى وإذا بى أقف امام أحد محلات بيع الأقمشة ويهبط من فوقى ويسير الهوينا وهو يبكى يحاول أن يتمالك نفسه المنهارة حتى باغتتنى نوبة من البكاء لا أعرف كم ستدوم !
وأخذ ينظر إلى بعينيه السوداء الملتمعة يتساءل كيف سيبدأ الحديث مع بائع الأقمشة ؟ .
.
إقتباسة
من
قصة قصيرة
لا تدرى نفسى

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading