العاصمة

الصدق نجاه لمن تحل به 

0
كتب اسلام محمد
لقد حث الإسلام على الصدق في إيات وأحاديث كثيرة ولاكن قبل أن إبداء عزيز القارئ هناك هناك بعض المفاهيم التي يجب أن أشير عليها و٨ي
ان الصدق لا يقتصر على صدق الكلام فقط بل إن الصدق يكون في الأقوال والأعمال والأفعال قال ابن القيم: في مدارج السالكين 2 – 270( فالذي
جاء بالصدق هو من شأنه الصدق في قوله وعمله وحاله؛ فالصدق في هذه الثلاثة:
1- فالصدق في الأقوال استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها.
2- والصدق في الأعمال استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد.
3- والصدق في الأحوال استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق.
وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صديقيته؛ ولذلك كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ذروة سنام الصديقية
سمي الصديق على الإطلاق)
ويتبين في ما يأتي ان
1- الصدق في الأقوال: أنه يجب على كل عبد أن يحفظ لسانه، ولا يتكلم إلا بالصدق، والله سائله عن ذلك، قال تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم
وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون 24 صلى الله عليه وسلم النور: 24}. وينبغي للمسلم أن يحترز عن المعاريض إلاّ لحاجة، وتقتضيها المصلحة،
قال عمر بن الخطاب: إن في المعارض غني عن كذب( الزهد لهناد بن السري 2- 636. )
ويدخل في ذلك الصدق في الأخبار، ويندرج تحته الوفاء بالوعد.
2- الصدق في الأعمال، وهو أن تستوي سريرته وعلانيته، بحيث لا يكون ظاهره خلاف باطنه. قال عبدالواحد بن زيد البصري: كان الحسن البصري
إذا أمر بشيء كان أعمل الناس به، وإذا نهى عن شيء كان من أترك الناس له، ولم أر أحد قط أشبه سريرته بعلانيته منه.
وقال مطرف: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله عز وجل: هذا عبدي حقاً.
3- الصدق في الأحوال، وهو أعلى الدرجات الصدق، كالصدق في الإخلاص والخوف، والتوبة، والرجاء والزهد والحب والتوكل وغيرها.
ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق، فمتى صدق المسلم في هذه الأحوال أرتفعت نفسه وعلت مكانته عند الله – عز وجل – قال تعالى:
ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على” حبه ذوي القربى” واليتامى” والمساكين وابن السبيل والسائلين
وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم
المتقون البقرة: 177} .وقال تعالى: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم
الصادقون الحجرات: 15} . قال ابن القيم: ولذلك كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ذروة سنام الصديقية، سمي (الصديق) على الإطلاق
والصديق أبلغ من الصدوق والصدوق أبلغ من الصادق؛ فأعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية وهي كمال الانقياد للرسول
مع كمال الإخلاص للمرسل(مدارج السالكين 2 – 270 )
فإذا حقق المسلم هذه المراتب كان حقاً من الصديقين
والإسلام تكلم عن الصدق بكل أنواعه كما جاء ذلك في النصوص الثابته
اما في القرآن
– قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا \تقوا الله وكونوا مع الصادقين (التوبة: 119} أي: كونوا مع الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، الذين
أقوالهم صدق وأعمالهم وأحوالهم لا تكون إلا صدقاً خالية من الكسل والفتور، سالمة من المقاصد السيئة مشتملة على
الإخلاص والنية الصالحة(تفسير ابن سعدي ص 355.)
– وقوله تعالى: ليجزي الله الصادقين بصدقهم ( الأحزاب: 24} أي بسبب صدقهم في أقوالهم وأحوالهم، ومعاملتهم مع الله،
واستواء ظاهرهم وباطنهم(تفسير ابن كثير 3- 643)
وقال الله تعالى: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا (المائدة: 119} أي أن صدقهم
في الدنيا ينفعهم في القيامة، وأن العبد لا ينفعه يوم القيامة ولا ينجيه من عذابه إلاّ الصدق.
4- وقال تعالى: وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ( يونس: 2} أي إيماناً صادقاً بأن لهم جزاء موفور، وثواب مدخور عند ربهم بما
قدموه وأسلفوه من الأعمال الصالحة الصادقة(تفسير ابن سعدي ص 661 )
وقال ابن عباس قدم صدق منزل صدق، دليله قوله تعالى: وقل رب أدخلني مدخل صدق ( الإسراء: 80} وعنه أيضاً: أجراً حسناً بما قدموا من أعمالهم(6) .
وقال تعالى: والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ( الزمر: 33}.قال ابن القيم: فلا يكفي صدقك بل لا بد من صدقك وتصديقك للصادقين؛
فكثير من الناس يصدق، ولكن يمنعه من التصديق كبر أو حسد أو غير ذلك(مدارج السالكين لابن القيم 1- 475 )
وقوله: وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ( الإسراء: 80} أي: اجعل مداخلي ومخارجي كلها في طاعتك،
وعلى مرضاتك وذلك لتضمنها الإخلاص وموافقتها الأمر(تفسير ابن سعدي ص 465 )
قال ابن القيم: فهذه خمسة أشياء: (مدخل الصدق)، و(مخرج الصدق)، و(لسان الصدق)، و(قدم الصدق) ، و(مقعد الصدق) وحقيقة الصدق في
هذه الأشياء هو: الحق الثابت المتصل بالله الموصل إلى الله، وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال، وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة
ف (مدخل الصدق، ومخرج الصدق) أن يكون دخوله وخروجه حقاً ثابتاً بالله.
وفي مرضاته بالظفر بالبغية وحصول المطلوب ضد مخرج الكذب ومدخله الذي لا غاية له يوصل إليها، ولا له ساق ثابتة يقوم عليها كمخرج أعدائه
يوم بدر ومخرج الصدق كمخرجه هو وأصحابه في تلك الغزوة.
وكذلك مدخله المدينة كان مدخل صدق بالله، ولله وابتغاء مرضاة الله فاتصل به التأييد والظفر والنصر وإدراك ما طلبه في الدنيا والآخرة بخلاف مدخل
الكذب الذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب فإنه لم يكن بالله.
ولا لله بل كان محادة لله ورسوله؛ فلم يتصل به إلاّ الخذلان والبوار، وكذلك مدخل من دخل من اليهود المحاربين لرسول الله صلى الله عليه وسلم
حصن بني قريظة فإنه لما كان مدخل كذب أصابه معهم ما أصابهم فكل مدخل معهم.
ومخرج كان بالله ولله وصاحبه ضامن على الله فهو مدخل صدق ومخرج صدق، وكان بعض السلف إذا خرج من داره رفع رأسه إلى السماء وقال:
اللهم إني أعوذ بك أن أخرج مخرجاً لا أكون فيه ضامناً عليك يريد أن لا يكون المخرج مخرج صدق.
ولذلك فسر مدخل الصدق ومخرجه بخروجه من مكة ودخوله المدينة، ولا ريب أن هذا على سبيل التمثيل فإن هذا المدخل والمخرج من أجل
مداخله ومخارجه وإلاّ فمداخله كلها مداخل صدق ومخارجه مخارج صدق إذ هي لله وبالله وبأمره ولابتغاء مرضاته وما خرج أحد
من بيته ودخل سوقه أو مدخلاً آخر إلا بصدق أو بكذب فمخرج كل واحد ومدخله لا يعدو الصدق والكذب( مدارج السالكين لابن القيم 2- 270 )
ورد في السنة أحاديث كثيرة في فضل الصدق منها:
1- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وما
يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار،
وما يزال العبد يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. رواه البخاري ومسلم
قال المناوي في شرحه لهذا الحديث: (عليكم بالصدق) أي: القول الحق، وقد يستعمل في أفعال الجوارح كصدق فلان في القتال إذا وفاه حقه
(فإن الصدق يهدي إلى البر) أي: إلى العمل الصالح الخالص، والبر هو اسم جامع للخير (وإن البر يهدي إلى الجنة) أي:
يوصل إليها قال ابن العربي: بين أن الصدق هو الأصل الذي يهدي إلى البر كله.
وذلك لأن الرجل إذا تحرى الصدق لم يعص أبداً؛ لأنه إن أراد أن يشرب أو يزني أو يؤذي خاف أن يقال له زنيت أو شربت فإن سكت جر الريبة، وإن
قال: لا، كذب، وإن قال: نعم، فسق، وسقطت منزلته وذهبت حرمته (وما يزال الرجل يصدق) في كلامه (ويتحرى الصدق) أي: يجتهد فيه
(حتى يكتب عند الله صديقاً) أي: يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقية.
(وإياكم والكذب) أي: احذروه (فإن الكذب يهدي إلى الفجور) أي: يوصل إلى الميل عن الاستقامة والإنبعاث في المعاصي (وإن الفجور يهدي إلى
النار) أي: يوصل إليها (وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) أي: يحكم له بذلك ويستحق الوصف
بمنزلة الكذابين وعاقبتهم(فيض القدير للمناوي 4- 343.)
2- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم،
وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم”. رواه أحمد
3- عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحاً. رواه البيهقي”
4- عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يعرف المؤمن بوقاره ولين كلامه وصدق حديثه”
واختم مقالي بنماذج ضربت أروع الأمثلة في الصدق
قال الشيخ عبد القادر الجيلاني -رحمه الله-: بَنَيْتُ أمري على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم، فأعطتني أُمِّي أربعين
دينارًا، وعاهدتني على الصدق، ولمَّا وصلنا أرض (هَمْدَان) خرج علينا عرب، فأخذوا القافلة، فمرَّ واحد منهم، وقال: ما معك؟ قلت: أربعون دينارًا.
فظنَّ أني أهزأ به، فتركني، فرآني رجل آخر، فقال ما معك؟ فأخبرته، فأخذني إلى أميرهم، فسألني فأخبرته، فقال: ما حملك على الصدق؟ قلت:
عاهدَتْني أُمِّي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها. فصاح باكيًا، وقال: أنت تخاف أن تخون عهد أُمِّك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله!! ثم أمر بردِّ ما
أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائب لله على يديك. فقال مَنْ معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة، فتابوا جميعًا ببركة
الصدق وسببه[(الصفوري: نزهة المجالس ومنتخب النفائس 1/131، و انظر سيد حسين العفاني: صلاح الأمة في علو الهمة 5/45. )
– وعن شداد بن الهاد: أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أُهَاجِرُ معك. فأوصى به النبي صلى الله
عليه وسلم بعضَ أصحابه، فلمَّا كانت غزوةٌ غَنِمَ النبي صلى الله عليه وسلم سَبْيًا فَقَسَمَ، وقَسَمَ له، فأعطى أصحابه ما قَسَمَ له، وكان يرعى
ظهرهم، فلمَّا جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قَسَمٌ قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم. فأخذه، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: ما هذا؟ قال: “قَسَمْتُهُ لَكَ”. قال: ما على هذا اتَّبَعْتُك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا -وأشار إلى حلقه بسهم-
فأموت فأدخل الجنة. فقال: “إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ”.
فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتِيَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“أَهُوَ هُوَ”. قالوا: نعم. قال: “صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ”. ثم كفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جُبَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدَّمه فصلَّى عليه،
فكان فيما ظهر من صلاته: “اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ”رواه النسائي: كتاب الجنائز، باب الصلاة
على الشهداء (1953)، والبيهقي: (2080)، (6608)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3756)، وانظر ابن القيم: زاد المعاد 3/324.

اترك رد

آخر الأخبار