العاصمة

دور الرئيس الصينى “شي جين بينغ” فى إعداد المواد التدريسية للكوادر المتدربة

0

 

متابعة علاء حمدي

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

 

شارك الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى إفتتاح الدورة التدريبية للكوادر العليا والشابة في (الأكاديمية الوطنية الصينية للحوكمة)، لتشجيع تلك الكوادر على (توطيد أساس العقيدة السياسية للحزب الشيوعى ولأفكاره الماركسية، متزامناً مع تغذية الروح ومراعاة ثبات عجلة القيادة الأيديولوجية). وهنا جاءت مشاركة الرئيس “شى جين بينغ” بنفسه مشاركاً وداعماً لجهود (اللجنة الإرشادية الوطنية) لإعداد كافة المناهج الدراسية لدراسة النظريات الإبتكارية للحزب الشيوعى الحاكم بغرض تطبيقها، والتى تعد بمثابة (المجموعة السادسة للكوادر المتدربة)، والتي تتكون موادهم ومناهجهم الدراسية والتدريبية من تسعة منشورات أساسية، والتى قامت بنشرها بالفعل عدة دور نشر صينية مقربة من قيادات الحزب الشيوعى الحاكم، وهى: (دار الشعب للنشر ودار نشر مواد القراءة لبناء الحزب). وتلك المواد الدراسية المنشورة للرئيس “شى” حرصت على تقديم ودراسة وفهم وإستيعاب المنهج العلمي لفكر “شي جين بينغ” حول الإشتراكية ذات الخصائص الصينية للعصر الجديد، مع إلمام تلك الكوادر الحزبية الشابة بالمشروع العظيم الجديد لبناء الحزب الشيوعى في العصر الجديد، وهو ما يتأتى عبر إعداد جيل قوى متدرب فى جميع أنحاء الدولة الصينية، للتأكد من حسن إستيعابهم للأفكار الماركسية التي تعد بمثابة كفاءة وضمانة أساسية لهم وفقاً لرؤية الرفيق “شى”.

 

وحث الرئيس “شى جين بينغ” هؤلاء المسؤولين الشباب على “الثقة فى نظريات الحزب الشيوعى الحاكم الجديدة ووضعها موضع التنفيذ بشكل سليم ومنضبط، من أجل أن تسفر تلك النظريات عن نتائج ملموسة في تعزيز فهمهم للنظرية الماركسية وقدرتهم على تطبيقها بشكل عملى”. كما حرص الرفيق “شى جين بينغ” خلال فترة إعداد تلك الكوادر الصينية الشابة، على ضرورة إلمامهم بالمبادئ الأساسية للنزاهة والشفافية لضمان وحدة السياسة والأفعال من خلال وحدة الأفكار، وتقوية القدرات السياسية والقيادية وقدرات العمل المناسبة لدفع التحديث الصيني النمط على نحو شامل. التقدم بخطوات هامة في بناء الديمقراطية وحكم القانون. كما يأتى التأكيد الصارم للرفيق “شى جين بينغ” أمام كافة الكوادر الحزبية العليا والقاعدية، للدفاع بنشاط عن السياسة الديمقراطية الإشتراكية، ودفع حكم الدولة وفقاً للقانون على نحو شامل، وتعزيز بناء نظام التوحيد العضوي بين التمسك بقيادة الحزب وكون الشعب سيداً للدولة وحكم الدولة طبقاً للقانون بشكل شامل، وإكمال نظام وآلية قيادة الحزب بإطراد عبر إختيار أفضل الكوادر المؤهلة لتلك المهمة. مع التشديد الدائم من الرئيس الصينى “شى جين بينغ” على مواصلة الحزب الشيوعى الحاكم عملية (تطوير الديمقراطية الإشتراكية)، من خلال عدة خطوات، على رأسها: تطوير الديمقراطية داخل الحزب، وترسيخ قواعد الديمقراطية التشاورية الإشتراكية على نحو شامل، مع القيام بتوطيد وتطوير الجبهة المتحدة الوطنية، ودفع الأعمال الخاصة بالقوميات والأديان من خلال عنصر الإبتكار.

 

وجاء لقاء الرئيس الصينى “شي جين بينغ” بتلك الكوادر الوطنية الشابة المتدربة فى شهر مارس ٢٠٢٤، خلال مراسم إفتتاح البرنامج التدريبي للمسؤولين الشباب ومتوسطي العمر في مدرسة الحزب التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، المعروفة بإسم (الأكاديمية الوطنية للحوكمة). وخلال اللقاء، جاء تأكيد الرئيس الصينى “شى”، بأن “الشباب الصينى هم بمثابة خلفاء لقضية الإشتراكية ذات الخصائص الصينية، داعياً إياهم إلى البقاء مخلصين للمهمة التأسيسية للحزب، والعمل الجاد، والإضطلاع بمهمتهم التاريخية في الرحلة الجديدة”. ويبقى الشعار الدائم للرفيق”شى جين بينغ”، هو: عدم نسيان الغاية الأصلية، ودوام التذكر للرسالة، ورفع الراية العظيمة للإشتراكية ذات الخصائص الصينية عالياً، وتحقيق إنتصار حاسم فى إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، وإحراز إنتصارات عظيمة للإشتراكية ذات الخصائص الصينية فى العصر الجديد، والكفاح بجهد دؤوب لتحقيق حلم الصين المتمثل فى النهضة العظيمة للأمة الصينية.

 

وأشار الرفيق”شى” خلاله تدريبه وتثقيفه لهؤلاء الشباب، إلى أنه “يتعين على المنظمات الحزبية على جميع المستويات تثقيف المسؤولين وإدارتهم والإشراف عليهم بشكل صارم وتنشئة خلفاء موثوقين يمكنهم تحمل مسؤولية بناء دولة قوية وتحقيق تجديد الشباب الوطني العظيم للأمة الصينية”. كما حث الرئيس “شى” هؤلاء الشباب المتدرب على “تعزيز الدراسة النظرية وتطبيق نتائج دراستهم خلال ممارسة أداء الواجبات”. وفى الوقت ذاته، طلب “شى” من المسؤولين فى مدرسة الحزب الشيوعى الحاكم أن يضعوا في إعتبارهم (مبدأ خدمة الشعب، والوقوف بحزم مع الشعب، والقيام بعمل جاد فيما يتعلق برفاهية الشعب بطريقة واقعية). كما دعا الرئيس “شى جين بينغ” كافة المسؤولين الحزبيين إلى ضرورة “ممارسة الولاء والصدق بنشاط تجاه الحزب وإيضاح موقفهم السياسي، داعياً إياهم إلى أن يلتزموا بشكل صارم بالإنضباط السياسي والقواعد السياسية للحزب”.

 

وفى إعتقادى كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى، فإن المواد التدريسية المقدمة من قبل الرئيس”شى جين بينغ” للمجموعة السادسة من الكوادر التدريبية داخل أكاديمية الحزب الشيوعى الصينى، تحمل روح كلمة ونفس رسالة الرفيق”شى” وكلمته المقدمة إلى المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصينى فى ١٨ أكتوبر ٢٠١٧، بطلب “شى” من جميع الرفاق فى كل الحزب النظر إلى الإتجاه العام، والإستعداد في أيام السلام لمواجهة أى طارئ، والجرأة على التغيير والإبتكار، وألا يكونوا فريسة للتفكير المتحجر وألا يتقوقعوا في مكانهم أبداً، وأن يتحدوا مع أبناء الشعب بمختلف قومياتهم في كل البلاد ويقودوهم لتحقيق إنتصار حاسم فى إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل وبذل كل الجهود لإحراز إنتصارات عظيمة للإشتراكية ذات الخصائص الصينية فى العصر الجديد.

 

وبناءً على فهمنا السابق لدور الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” وتشجيعه على إعداد عناصر شابة كفء، نلاحظ أن تلك التوجيهات الهامة للرئيس “شي” تتحلى بالفكر الإستراتيجى، كما أنها تعتبر بمثابة تعبئة أيديولوجية لتشجيع الكوادر الشابة على المضي قدماً في المسيرة الجديدة وتحقيق إنجازات الدولة الصينية في العصر الجديد، ودليل العمل لإرشاد الكوادر الشابة.

 

رفض الصين لإحتكار الرأسمالية أيديولوجيات العالم، كأيديولوجية الإشتراكية ذات الخصائص الصينية

 

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

 

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

 

رغم كل مظاهر الاقتصاد الرأسمالي الحر، لا تزال الدولة الصينية تلعب الدور الأهم والأبرز على الساحة الإقتصادية عبر ملكيتها الشركات الكبرى الفاعلة في الإقتصاد الصيني، وملكيتها كبرى وسائل الإنتاج، والثروات الطبيعية للصين. وعلى الرغم من سماحها بإدارة تلك الشركات بوسائل وأدوات الإقتصاد الحر، إلا أن عوائد وأرباح تلك الشركات تعود إلى الخزينة العامة للدولة الصينية ، وليس إلى كبار رجال الأعمال والمستثمرين من الخارج، نظراً لوضع قواعد صارمة لذلك. كما أطلق الحزب الشيوعى الصينى عدة سياسات مفادها أن المهمة الرئيسة للإشتراكية في الوقت الراهن، تتمثل بتطوير القوى المنتجة لتلبية الحاجات المادية والثقافية المتزايدة للشعب الصيني، وإخراج الصناعات الإنتاجية من حالة التخلف التي كانت تعاني منها.

 

حيث تظهر المفارقة فى الوقت الراهن، فى تصدر الصين الإقتصاد العالمى الرأسمالى، وتتفوق فى صراع العولمة، وتبقى صامدة فى الأزمات الإقتصادية العالمية، والتى أطاحت بالعديد من إقتصاديات الدول وإضعاف كل الدول الشيوعية بإستثناء الصين. فعلى الرغم من تحدى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب للصين برفع شعار “نهاية الأيديولوجيات”، إلا أن الصين مازالت قوية عالمياً فى كافة المجالات، وتتمسك فى الوقت ذاته بأيديولوجيات القرن العشرين الماركسية التى أسسها كارل ماركس وماو.

 

كما أنه من الواضح أن الرأسمالية غير ملائمة تماماً لإحتكار أيديولوجيات العالم، كأيديولوجية الإشتراكية ذات الخصائص الصينية، وقد اتضح صدق هذا تماماً منذ الأزمة المالية فى ٢٠٠٨، والتى مازالت آثارها الممتدة تسبب تموجات فى أرجاء العالم المتقدم. كما تتسع فجوة الثروة وتعاني الطبقة العاملة وما زال المجتمع منقسماً بسببها حتى الآن. كما أن الصدوع فى الرأسمالية من السهل على الجميع التعرف عليها، فليس مفاجئاً أن يكون هناك حنين متزايد للإشتراكية فى الغرب. وهنا نجد بأنه فى العالم النامي، فإن خبرة الصين تقدم لهم خياراً جديداً للإسراع بالتنمية فى الوقت الذى يحافظون فيه على إستقلاليتهم بعيداً عن التدخل الأمريكى والغربى فى شئونهم الداخلية.

 

ومن أجل تحقيق الحلم العظيم للأمة الصينية وفقاً لرؤية الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى تصدر (الإشتراكية ذات الخصائص الصينية)، بإعتبارها الموضوع الرئيسي لكل نظريات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين وكافة ممارساته منذ بدء الإصلاح والإنفتاح، وهي المنجزات الجوهرية التي حققها الحزب والشعب بعد إجتياز العديد من الصعاب ودفع أثمان باهظة. لذا يؤمن الرفاق فى الحزب الشيوعى الحاكم وعلى رأسهم الأمين العام للحزب الرفيق “شى جين بينغ”، بأن (طريق الإشتراكية ذات الخصائص الصينية) لهو السبيل الوحيد لتحقيق التحديثات الإشتراكية والوصول لهدف أن الشعب هم أسياد البلاد فى مجتمع صينى رغيد الحياة.

 

وتقوم الرؤية الصينية السليمة للحزب الشيوعى الصينى على الدفع بـ (منظومة النظريات الإشتراكية ذات الخصائص الصينية)، بإعتبار أنها بمثابة النظريات الصحيحة التي ترشد الحزب والشعب في تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، مع إعتبار أن نظام الإشتراكية ذات الخصائص الصينية، هو الضمان المؤسسى لتطور وتقدم الصين المعاصرة، وثقافة الإشتراكية ذات الخصائص الصينية، تعد هى القوة المعنوية لتشجيع جميع أعضاء الحزب الشيوعى وأبناء الشعب من مختلف القوميات في كل البلاد للمضى قدماً إلى الأمام بشجاعة.

 

ومن أجل ذلك، تعمل الدولة الصينية على رفع وعى مواطنيها للإيمان بأفكارها الإشتراكية فى العصر الجديد، وهو ما يتضح فى معظم خطابات الرئيس الصينى “شى جين بينغ”، من أنه “يتعين على جميع أعضاء الحزب التحلي بمزيد من الوعي في تعزيز ثقتهم الذاتية بالطريق والنظريات والنظام والثقافة الإشتراكية، دون السير في الطريق القديم المتسم بالانغلاق والتحجر الفكري ولا طريق الضلال المتمثل في تغيير الراية، ويجب عليهم الحفاظ على التركيز السياسي والمواظبة على العمل الجاد للنهوض بالوطن والمثابرة على التمسك بالإشتراكية ذات الخصائص الصينية وتطويرها على الدوام”.

 

تفوق نهج الرئيس “شى جين بينغ ” على سلفه “دينغ شياو بينغ” لجعل الشعب أسياد البلاد، ورفض قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان الغربية

 

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

 

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

 

فى إعتقادى بأن الزعيم الصينى “شى جين بينغ” ومبدأه فى الإنفتاح قد تفوق فى العصر الحديث على مبدأ سلفه “دينغ شياو بينغ” رائد عصر عملية الإنفتاح فى الصين خلال فترة السبعينيات والثمانينيات. حيث شجعت نظرية (دينغ شياو بينغ) على بناء الإشتراكية داخل الصين بالأساس وليس الترويج لها خارجياً مثلما هو الحال مع الرئيس الصينى “شى جين بينغ”، من خلال جعل الإشتراكية الصينية وفقاً لمبدأ “دينغ” تستوعب بعض (الخصائص الصينية)، وذلك خلال قيادة عملية سياسة الإصلاح الإقتصادي في الصين، بهدف التحسين الذاتي والتنمية للنظام الإشتراكى. فالنظرية الإشتراكية عند”دينغ شياو بينغ” لا تقترح تحسين أو تطوير النظام الإقتصادي المغلق داخل الدولة الصينية، بل تقترح نظريته الإطاحة بالنظام الإقتصادي القائم وإستبداله بنظام أكثر إنفتاحاً. فكان أبرز ما يميز عهد الزعيم الصينى الراحل “دينغ شياو بينغ”، هو إعلانه عام ١٩٧٧، عن إطلاق حملة تعرف بـ “عمليات التحديث الأربع”، وهى: تحديث القطاع الصناعي، وتحديث القطاع الزراعي، وتحديث القطاع العسكري، وتحديث منظومة العلوم والتكنولوجيا، وقد أصبحت عمليات التحديث تلك المكونات الأساسية لسياسة الإصلاح والإنفتاح في الصين. وهنا لعبت النظرية دوراً مهماً في إقتصاد الصين خلال عهد (دينغ شياو بينغ)، بتأكيده على أهمية إنفتاح الصين على العالم الخارجي، وتطبيق مبدأ الدولة الواحدة ونظامان مختلفان، عبر الدعوة إلى البراجماتية أو الواقعية السياسية والإقتصادية.

 

لذا، حرص الرفيق “شى جين بينغ” كقائد للصين الحديثة، على إستمرار نهج سلفه “دينغ شياو بينغ” بل والتفوق عليه، خاصةً داخلياً عن طريق حرصه على تحقيق رفاهية شعبه وجعل الشعب هم أسياد البلاد، بإتباع الرئيس “شى” عدة معايير لتحقيق رفاهية شعبه فى المقام الأول، فضلاً عن الإهتمام بمصالح الطبقات الفقيرة والشرائح الدنيا من الطبقات متوسطة الدخل، خاصةً في المناطق النائية، والأقاليم الأقل تطوراً، والعمل بصورة متواصلة على تحسين ظروف حياتهم، ورفع مستوى الرعاية الإجتماعية والصحية لهم، وتحسين ظروف سكنهم وعملهم، ونجاح الرئيس “شى” وقيادات الحزب الشيوعى الحاكم فى القضاء على الفقر المدقع فى البلاد بشكل تام. ولكن على الناحية الأخرى، فمازالت الطبقات الفقيرة في الدول الرأسمالية المتقدمة تزداد فقراً، مع عدم وجود أى تحسن يذكر في ظروفهم المعيشية والاقتصادية، وعدم وجود غطاء تأمينى صحى كافى لهم. فالولايات المتحدة تحكم من قبل واحد بالمئة من سكانها، بواسطة ساسة ينتمون إلى طبقة الواحد بالمئة تلك، ومعظم سياساتهم تعمل فى خدمة مصالح طبقة الواحد بالمئة التي ينتمون إليها. ومن هنا فقد أصبح (مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف)، بمثابة ساحة معركة ومنافسة بين مصالح وأفكار وقيم البلدان الغربية والصين.

 

وهنا نجد بأن الرئيس “شى” قد تفوق على “دينغ شياو بينغ” من ناحية الإهتمام بالداخل، حيث أنه فى الوقت الذى تدعى فيه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بالحديث عن نظمها الديمقراطية وتمجيدها قيم حقوق الإنسان، فإن تلك الدول ذاتها لا تعترف لطبقاتها الفقيرة والمحرومة بحق التعليم والصحة، والتي تتناقض مع طريقة تعاطي الصين مع جميع فئات شعبها. كما تشارك الصين على الدوام مشاركة نشطة في مجال (الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان)، عبر دفع الحوار والتعاون الدوليين في مجال حقوق الإنسان، مع الدعوة إلى إعطاء إهتمام متساو لمختلف حقوق الإنسان وتعزيزها بطريقة متوازنة، بما يسهم في تسريع تنفيذ الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والحق في التنمية، بعكس الإتجاه السائد في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب من حرمان أطراف بعينها من عدد من الحقوق مع التمييز بين مواطنيهم.

 

وفى هذا السياق، تؤمن الصين بأن مقاربة حقوق الإنسان يجب أن تكون بصورة شمولية ومتكاملة، وهي لا تميز على سبيل المثال بين مواطنيها الصينيين من ذوي البشرة الداكنة كغيرها، كما أنها لا ترسل جيوشها لتدمر دولاً، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية فى العراق وليبيا، أو لتسرق مقدرات شعوب كما يحدث اليوم في سوريا وغيرها، أو لتفرض العقوبات غير الإنسانية على شعوب مسالمة كما هي الحال في اليمن أو فنزويلا أو كوبا، فالصين لم تؤسس دولتها عبر الإبادة الجماعية والمذابح الكبرى بحق المواطنين الأصليين كالولايات المتحدة الأمريكية، وهي لم تخطف أناساً أحراراً من قارات أخرى لتجلبهم بالقوة مقيدين بالسلاسل والأغلال ليصبحوا عبيداً لديها يباعون ويشترون في أسواق النخاسة، وهي لم تنصب نفسها شرطياً على العالم، وواعظاً أخلاقياً يملي على الدول الأخرى ما يجوز وما لا يجوز لها أن تفعله.

 

ويبدى الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى خطاباته الدولية إستعداده الدائم للعمل مع جميع الأطراف من أجل السعي بإستمرار نحو الهدف النبيل المتمثل في “حقوق الإنسان للجميع”. ومن هنا تحرص الصين بإستمرار على تطوير مفهومها الخاص حول (الديمقراطية الشعبية كاملة العملية)، ما يسمح لمواطنيها بإدارة شؤون الدولة من خلال مختلف الوسائل والأشكال وفقاً للأحكام القانونية. كما تحرص الصين على دعم ثقافة حقوق الإنسان وتحميها من خلال تشريعاتها، وإنفاذ القانون، والجهاز القضائي، والإلتزام باللوائح. وتحمى فى الوقت ذاته حرية المعتقد الديني للمواطنين وفقا للأحكام القانونية، وتعزز التعايش المتناغم بين مختلف الأديان. ومن هنا، بات الصينيون يتفاخرون ويتباهون بنتائجهم التنموية، ويعتبرون أرقامهم بمثابة صفعة على وجه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وذلك بعد إستغلالهم الطويل لمقدرات الشعوب، وإستنزاف عقول أبناء الدول النامية، مع فرضهم عقوبات جائرة وغير عادلة بحق الغير، وتشويه سمعة دول لا تتماشى سياستها مع النهج الأمريكى والغربى.

 

وبناءً على فهمنا السابق للنهج الصينى الخاص بالديمقراطية وحقوق الإنسان فى عهد الرئيس الصينى “شى جين بينغ”، جاء الإهتمام الصينى بنشر ثقافتها الخاصة بحقوق الإنسان دولياً، عبر نشر الصين ما يعرف بـ (الكتاب الأبيض)، حول “حقوق الإنسان”، مفندة وموضحة أهم إنجازاتها فى مجال رفع مستوى حياة مواطنيها، إلى مجتمع رغيد الحياة، تفخر بها، وتتمناها لبقية الشعوب حول العالم بما فيهم مواطنى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ذاته. ومن هنا، تطرح الصين رؤيتها الخاصة لهذا المصطلح الذى إحتكر الغرب تعريفه بشأن معنى (الحرية والديمقراطية) من المنظور الغربى، واضعة على رأس اللائحة عدة أولويات أخرى، ورؤية نقيضة لهذا النهج والمفهوم الغربى للديمقراطية وحقوق الإنسان. وبناءً عليه، نفهم تلك الخطوات الإستباقية للرئيس “شى جين بينغ” لتعزيز الثقافة الإشتراكية فى العصر الجديد، متفوقاً بذلك على سلفه “دينغ شياو بينغ”.

 

مستقبل الرأسمالية الشيوعية في الصين ومبدأ الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى الدمج بين الرأسمالية والشيوعية إقتصادياً

 

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

 

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

 

من الخطأ الإعتقاد بأن الصين لا تختلف عن الدول والأنظمة الإقتصادية الرأسمالية التي تتبع النموذج الليبرالى الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. فلا تزال هناك إختلافات إستراتيجية وجذرية بين منهج القيادة الصينية فى الحكم والمنظومة الرأسمالية الغربية. إن تبني الصين إقتصاد السوق الحر لا يعني بالضرورة تخليها عن الإشتراكية، التى ستؤول بها في نهاية المطاف – وفقاً لوجهة النظر الصينية – إلى بناء المجتمع الشيوعى بشكل كامل، بل إن تبنى نظام إقتصاد السوق الحر القائم على الفكر الرأسمالى من وجهة نظر الصين، هو نتيجة طبيعية من وجهة نظر الصينيين كى توصل الدولة الصينية بالتجربة العلمية إلى بناء إقتصاد سوق حر، سيسمح لها ببناء الثروة الوطنية، وتطوير صناعاتها في بيئة تنافسية عالمية، مع إجتذاب رؤوس أموال وخبرات ومهارات من خارج الصين. ومن أجل ذلك، تواصل الصين تحرير قطاعاتها الإقتصادية والمالية والمصرفية.

 

ولتحقيق ذلك، حدد الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” مستقبل الرأسمالية الشيوعية فى الصين، من خلال إعلان مبادئه نحو الدمج بين الرأسمالية والشيوعية إقتصادياً، بتأكيده على التمسك بمبدأ ونهج (الإشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الحديث)، والتى تقوم على الإستمرار فى نهج أسلافه من زعماء الحزب الشيوعى الصينى، مع التركيز على إستمرار وتعميق عملية الإصلاح الشاملة، خاصةً فى القطاعات الإقتصادية والإدارية، مع إعتماد الأفكار العلمية لتحقيق الإبتكارات التكنولوجية، متزامناً مع الحفاظ على بيئة خضراء مستدامة، وأفق مفتوح ومتاح للجميع للتنمية، والتشديد على القيم الأخلاقية والمناقبية الإجتماعية المرتكزة على مفاهيم (الماركسية والشيوعية والإشتراكية ذات الخصائص الصينية)، مع التعايش الآمن مع الطبيعة عبر إعتماد مفاهيم الطاقات المتجددة والحفاظ على البيئة والإسهام فى الأمن المناخي العالمي، وتعزيز الأمن الوطني الصيني، ورسم مصير مشترك بين الشعب الصيني وسائر شعوب العالم في بيئة عالمية خالية من الحروب، وتعزيز الإنضباط الحزبى فى صفوف أعضاء الحزب الشيوعى الصينى.

 

وهنا، يبدى الرئيس الصينى “شي جين بينغ” إهتماماً كبيراً بدراسة أسباب إخفاق الإشتراكية في الإتحاد السوفييتي، وكيفية تجنب تلك الأخطاء في الصين، ويرى الرئيس “شى” وفقاً لفلسفته، بأن الإتحاد السوفييتي قد تمسك بعقيدة جامدة لم يحاول تطويرها، وأن الحزب الشيوعى السوفيتى قد ترهل وققد حيويته على جميع المستويات العليا والدنيا فى الدولة السوفيتية، كما فقد الجيش السوفييتي توجهاته العقائدية فى توجيه شعبه، بعكس الحال فى الدولة الصينية فى الوقت الحالى. لذا كانت النتيجة النهائية فى نهاية المطاف، هى سقوط الحزب الشيوعي السوفييتي، وتفكك أوصال الإتحاد السوفييتي كدولة إشتراكية عظمى.

 

وبناءً عليه، فقد تعلمت الصين كثيراً من تجربة السوفيت لدراستها وفهمها كعبرة من التاريخ للصينيين. وبناءً عليه، حاول الرئيس الصينى الرفيق “شى جين بينغ” إعادة الحيوية لأوصال دولته الشيوعية بعكس الحال عند السوفييت، بتصميمه على جعل (الإشتراكية الصينية ذات الخصائص الصينية في العصر الحديث) تقوم على الإستمرار فى نهج أسلافه من زعماء الحزب، مع التركيز على إستمرار وتعميق عملية الإصلاح الشاملة، وذلك فى عدد كبير من القطاعات الإقتصادية والإدارية والمالية والإجتماعية والتنموية. لذا نجد أنه وبعد أكثر من ٧٥ سنة، قد إنهارت التجربة الشيوعية السوفيتية، وصمدت التجربة الصينية، التى سارعت منذ عهد السبعينيات للإنفتاح إقتصادياً لتصبح منافساً إقتصادياً هاماً للولايات المتحدة الأمريكية والدول الرأسمالية، متمسكة بالنظرية الماركسية وأفكار زعيمها الراحل “ماو تسى تونغ”.

 

وهنا يؤكد “شى جين بينغ” على إيمانه العميق والكامل بالماركسية اللينينية وأفكار ماو التى إنتشلت الصين من التخلف والضعف والفقر، وأدت إلى صعود الصين الحديثة. كما يؤكد “شى” بأن تقوية وتعزيز دعائم المجتمع الإشتراكى مستقبلاً، سيتطلب فترة طويلة زمنياً، إلا أنه وفق رؤية الرئيس الصينى “شى جين بينغ” وقيادات حزبه الشيوعى، بصفته الأمين العام للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، فإنه يعتبر بأن قدر الإشتراكية الصينية هو الإنتصار النهائي، وأن الرأسمالية ماضية إلى زوال حتمي.

 

وهنا تجدر الإشارة، بأن “كارل ماركس” الفيلسوف الألماني الذى كان يعيش فى القرن التاسع عشر يعتقد أن الإشتراكية سوف تخلق مستقبلاً أفضل يتخطى الرأسمالية. وبعد قرن من وفاته فإن الحزب الشيوعي الصيني يطبق نظريته عملياً، وإن تكن بالخصائص الصينية وتقود الدولة من الفقر إلى الرخاء. وكما قال الزعيم الصيني الراحل “دنيغ شياو بينغ”، فإنه “عندما تدخل الصين الصفوف الأولى للدول، فإننا لن نكون قد قمنا بشق طريق جديد فحسب لشعوب العالم الثالث ولكننا سنكون قد أظهرنا للبشرية أيضاً، وهذا هو الأهم، أن الإشتراكية هى الطريق الوحيد الذى يتفوق على الرأسمالية”. وقد شهد القرن العشرون تنافسا شديداً بين المعسكرين الإشتراكى والرأسمالى، ولكن سقوط الإتحاد السوفيتى وجه ضربة شديدة لحركة الإشتراكية العالمية. لكن قاومت الصين تلك الأزمة، وخطت نحو القرن الجديد بماركسية تطبق فيها الخصائص الصينية.

اترك رد

آخر الأخبار