هل أطلعت المشتري على العيب الذي فيه؟
بقلم / محمــــد الدكــــــرورى
هو كلام الامام ابو حنيفه للغلام الذى يعمل عنده عندما اراد ان يبيع ثوب به عيب
وهذه دعوى لعدم الغش والاستغلال
من الناس وذات يوم خرج أحد التجار الأمناء
في سفر له، وترك أحد العاملين عنده ليبيع في متجره، فجاء رجل يهودي واشتري ثوبًا كان به عيب. فلما حضر صاحب المتجر
لم يجد ذلك الثوب، فسأل عنه،
فقال له العامل: بعته لرجل يهودي بثلاثة آلاف درهم، ولم يطلع على عيبه. فغضب التاجر وقال له: وأين ذلك الرجل؟ فقال:
لقد سافر. فأخذ التاجر المسلم المال،
وخرج ليلحق بالقافلة التي سافر معها اليهودي، فلحقها بعد ثلاثة أيام، فسأل عن اليهودي، فلما وجده قال له: أيها الرجل!
لقد اشتريت من متجري ثوبًا به عيب،
فخذ دراهمك، وأعطني الثوب. فتعجب اليهودي وسأله: لماذا فعلت هذا؟ قال التاجر:
إن ديني يأمرني بالأمانة، وينهاني عن الخيانة، فقد قال رسولنا –
صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا” (مسلم)، فاندهش اليهودي وأخبر
التاجر بأن الدراهم التي دفعها للعامل كانت مزيفة، وأعطاه بدلاً منها،
ثم قال: لقد أسلمت لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. ”
وجاء عن محمد بن المنكدر رحمه الله أنه كان له سلعٌ تباع بخمس وأخرى بعشرة. فباع غلامه في غيبته شيئاً من
الخمسيات بعشرة. فلما عرف لم يزل يطلب
ذلك المشتري طول النهار حتى وجده، فقال له: إن الغلام قد أخطأ فباعك ما يساوي خمسة بعشرة. فقال:
يا هذا قد رضيت. قال: وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا
ما نرضى لأنفسنا. فقد ربحت ثلاث؛ إما أن تستعيد مالك وتعيد السلعة. وإما أن نرد إليك خمسة.
وإما أن تأخذ بدلاً من سلعة الخمس سلعة العشر. فقال:
أعطني خمسة. فرد عليه خمسة وانصرف الأعرابي المشتري يسأل ويقول: من هذا الشيخ؟ فقيل له:
هذا محمد بن المنكدر. فقال: لا إله إلا الله، هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا.
وكان أبو حنيفة رحمه الله يبيع القماش وكان عنده ثوبٌ فيه عيب فجعله جانباً. فجاء خادمه في غيبته
فباع الثوب المعيب بقيمته لو كان سليماً. فلما جاء الإمام
إلى محله وسأل عن ذلك الثوب قال الغلام بعته قال بكم؟ قال: بكذا، أي بسعر السليم. قال:
هل أطلعت المشتري على العيب الذي فيه؟ قال: لا. فتصدق بقيمة الثوب كله.
• وينبغي أن يكون التاجر سخياً بالصدقات. قحط الناس في زمن أبي بكر فقدمت لعثمان رضي الله عنه
قافلة من ألف راحلة من البر والطعام. فغدا التجار عليه،
فخرج إليهم فقال: ماذا تريدون؟ قالوا: بلغنا أنه قدم لك ألف راحلة براً وطعاماً. براً وطعاماً. بعنا حتى نوسع
على فقراء المدينة. فقال لهم: ادخلوا فدخلوا. فقال:
كم تربحوني على شرائي؟ قالوا: العشرة اثنا عشر. قال: قد زادوني. قالوا: العشرة أربعة عشر. قال:
قد زادوني. قالوا: العشر خمسة عشر. قال: قد زادوني.
قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة. قال: زادني بكل درهم عشرة عندكم زيادة؟ قالوا: لا. قال: فأشهدكم
معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة هكذا كان
عثمان رضي الله عنه وابن عوف وغيرهم من فقراء، ومن أغنياء التجار، يجودون على فقراء المسلمين،
ولا يستغلّون مثل هذه الفرص لكي يرفعوا الأسعار ويحتكروا
الأطعمة ليبيعوا على الناس بالغلاء. إن الرفق بالمسلمين أمرٌ جدّ طيب. وإن الحرص على مصلحتهم أمرٌ جد حسن.
• فاتقوا الله -أيّها التجار- وارحموا إخوانكم وأهليكم، يرحمكم ربكم وطهِّروا بيوعَكم من الغشِّ والخداع،
والمبالغة في الأسعارِ يبارَك الله لَكم فيها ولقد تبيَّنَ أن تلك
الأمراض المعضلة التي بدأت تدب في الناس من غلاء واحتكار للسلع غالبها من ضعف الإيمان،
وحب الدنيا، وإيثارها على العاجلة، وأنا أقول لمن يقع في ذلك
ويرفع الأسعار على الناس: كم ستعيش في الدنيا؟ وكم ستملك؟ وإلى متى التمتع بملذاتها؟ أليست لك نهاية؟
أليس لك لقاء بملَك الموت؟ ألا تعلم أنك ستقف
بين يدي رب العالمين فيجازيك بما فعلت؟ فلْيتَّقِ الله كُلُّ مَن تُسوِّل له نفسه احتكار السلع ورفع أسعارها.
فاللهم اهدنا لما فيه الخير والصلاح يا رب العالمين …
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.