طارق سالم
كانت ظاهرة فرح وسعادة عندما يخرج الرجل لأداء فريضة الحج بين الأهل والأحباب والأقارب وليس هذا وفقط بل الفرحة تعم الشارع والحارة وخاصة عند عودته كانت هناك رسومات ونقوش فنية جميلة تتزين بها جدان المنازل مثل صورة الطائرة أو المركب وايضا صورة الكعبة المشرفة وكلمات تسطر بخط عربي جميل مثل حج مبرور وذنب مغفور ولبيك اللهم ما لبيك ومثلها من الكلمات الإيمانية التى تعبر عن هذه المناسبة .
برسم طائرة وجمل وكعبة على جدار بيت يكتمل موسم الحج عند البسطاء فى قرى مصر تلك الحالة هي أكثر حالات التعايش الروحي بين الدين والفن الشعبى الرسم الجدران والتى يمثل امتدادا طبيعا للحضارة المصرية القديمة التى كانت توثق حياتها بالرسم على جدران المعابد أصبح اليوم مهددا بالانقراض ويختفى رويدا رويدا عن أعين المصريين إن الشعب المصرى بطبعه شعب احتفالى لأنه طوال الوقت يحتفل ببعض المظاهر منها ما يطلق عليها طقوس العبور منها الميلاد والحج والأخير يعتبر طقس للعبور للتطهر من مرحلة لأخرى
أن النقش على الجدران قديم قدم المصريين القدماء لكنه اختلف فقط باختلاف المناسبة وأن مناسك التقديس عن الأقباط فى الماضى كانت تشهد نفس نوعية الاحتفالات عن المسلمين.
ونظرا لأهمية رحلة الحج كان المصريون حريصين على توثيق رحلة الحج بداية من وسيلة المواصلات كالجمال وتطورها للسفن وأخيرا الطائرات إضافة للكعبة مشيرا إلى أن ذلك كان ضمن فلكور شعبى معروف للحجاج وكانت تصاحبه بعض الأغانى والأناشيد الكبرى.
الرسوم على الجدران فى موسم الحج انتشرت فى مصر أثناء فترة عمل كسوة الكعبة فى مصر والتى كانت يقام لها احتفال كبير يسمى يوم المحمل كما أن لقب حج كان ذو قيمة وكان للرسوم على الجدران بمثابة تعبير أو إعلان عن قيام صاحب المنزل بتلك المناسك كنوع من التباهى . إن ذلك النوع من الفنون لا تزال موجودة لكن بشكل قليل ولا تزال له روحه الخاصة خصوصا بالمناطق الشعبية والعشوائية ولكن ظهور التكنولوجيا وشغل البنرات أثر كثيرا على اختفائها ومع مرور الزمن ستختفى تماما.
وليست ظهور التكنولوجيا فقط بل إختفاء المنازل التى كانت تعبر عن حضارة مصر وحضارة المدينة والحى والشارع والتى كانت ترسم عليها هذه اللوحات وتسطر هذه الكلمات الروحانية . وتبدل الحال إلى عمارات وأبراج أسمنتية صماء لا توجد بوجهاتها مساحات للرسم ولا النقوش لدرجة أنها لا تسعد بالحاج عند ذهابه وعند عودته لأنها ليست على علم بما يدور حولها وخاوية القلب والمشاعر .
واصبح الحاج يذهب إلى أداء فريضة الحج ويعود والحال كما هو لا يجد السعادة التى كانت بالماضى ولا يجد روح الإيمان على البيت ولا بجدرانه وشوق الأعين للنظر إليه لأنها اصبحت عالية تتالم منها الرقاب عند النظر إليها ويكتفى هنا بكلمات معتادة من الأهل والمقربين وهى ألف مبروك وحج مبرور وذنب مغفور يا عم الحاج اصبحت كلمات مرسلة ينطق بها اللسان للتهنئة وفقط .
وتجد الجدران الخرساء حزينة متالمة وتندم على الماضى وأفراحه ولسان حالها يقول ويتمتم أين بهجت رسوماتى وأين نثر كلماتى وليتنى أعود للماضى ببناياتى الجميلة المليئة بالحب والمشاعر .
كل هذه الحداثة وتطور أدوات تكنولوجيا الحياة كان له أكبر الأثر في أختفاء وانقراض هذه الأفراح بالرسومات والكلمات والزفة الشعبية الروحانية للحاج عند عودته . ولكن يظل موسم الحج كما هو ويظل الحاج يؤدى مشاعره ولكن مع اختلاف الماضى والحاضر وبينهما اختفت مشاعر الفرح والسرور عند العودة لبلده ولبيته ولكن حصل بالتأكيد على لقب الحاج .
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.