بكيانك، ينبثق نور الحب فينير العالم. أرتشفكِ مع قهوتي واشمك في عطري وقبل تمام الذوبان فيك
وحتى لا املّكِ أو تبدأ عيناي تبحث عن عيوبك، تبتعدٌ تدريجيا، يقل وقت ظهورها. أحاول ان
اتشبث بها. ان امنع رحيلها. لن انتقدك، لن اتملل من احضانك كل ليلة، لن اطلب منك تغيير العطر
أو لون الشعر. فقط ابقِ. أشعر أن جزءَ منك ينساب مني كل ليلة، أفتقد رحيقك أكثر، اشتاق لشعرك،
يتسلل البرد الي جسمي. أتشبثُ فيك أكثر اتنازل عن كل طموحي واتغاضى عن كل شروطي. تتمزق
اجزائي مني تحاول ان تحاصرك تمنعك من الرحيل. وأنت كما انت يقصٌر وقت حضورك
وتخرجي من احضاني شيئا فشيئا. يزداد شعوري بالبرد، تخور قواي، انظر في يدي، اذ بي احتضن
فراغا.
أبحث عنكِ وأسأل عنكِ، اتذكرك مع زقزقة العصافير وقت الغروب، أسأل عنكِ زهرتي فتشكو
لي حزنها. حتى الليل يشاطرني الحزن، فيرتدى عباءته السوداء ولثامه الأسود والقناع. كمْ يشتاق
اليك الليل وكم تشتاق اليك النجوم، تقوم كل ليله وتنتشر في السماء موقدةً مصابيحها باحثةً عنك
بين الأجرام وخلف الجدران. يحزن كل الكون ويشتاقك كل الأشياء.
لا يطول غيابها فهي كما قلتُ لكم تجيد فن العشق، فعندما يصل الشوق مداه ويتنازل الكون عن كل
شروطه ولا يبق لديه رجاء إلاّ أن تشرقَ عيناها فإذا بها تطل على النجوم من بعيد، مرسلة لحظ
من عينيها، حركة يعلمها العشاق. ينتبه الكون يتنفس الصعداء، وقبل ان يهمّ بالحركة تغْمض
عينيها مع وعد بلقاء.
حبيبتي تعلم كم ظمأ الكون لها وأنه شارف علي الهلاك من فرط الظمأ، فاذا ظهرت كاملة فسيشربها يتجرعها فيكتب على نفسه الهلاك. حبيبتي تجيد فن العشق، خبيرة في علوم الودّ وعلوم الابتعاد. هل تذكرون سميراميس وكيف فتنت اقسى قلوب الرجال. كانت سميراميس تأخذ دروس العشق من حبيبتي، علمتها متى تذيق العاشق شهدا ومتي ترفع عنه الاناء. تمرّد الملك زاهاق على كل الأشياء حتى أصبح نمرودا، أبصر كيف يسجد له البشر وأنه يُميت إذا أراد ويُحيى إذا شاء. كفر بالإنسانية فبطش وطغى وكفر بالخالق فتكبر وعصى وكفر حتى بالشيطان. لم يعرف قلبه يوما رأفة ولم يخضع لسلطان. وأمام عيون سميراميس الممتلئة عشقا تبدلت غلظته رقة وقسوته حنان. أمام عينيها رقّ وحنّ. ملَك السبع ممالك، ولم يسعه الا قلبها فأطلق عليها الناس عشتار وسماها البعض لات. فتعلمت منك سميراميس التلاعب بقلوب العشاق.
ها أنت كل يوم تُقبلين أكثر أرتوى منك أكثر وأحبك أكثر. تستأنس بوجودك النجوم فتخلد الي الراحة شيئا فشيا، تُخفض من ضوء مصابيحها ويتقدم موعد نومها كل ليله فوجودك يريح العالم. يجعل القلب يهدأ والعين تقر. حتى تصبحين بدراً فيطغى وجودك على كل الأشياء. ما أجمل وجهك وقْتَ تكونين بدرا، حين يتحول الليل فجرا، وحين يعتصرنىي حضنك عصرا. تبتهج روحي بوجودك، أسمعك في نغمات الأوتار الأتية من أعماق الكون، وتحتويني بوجودك، اغوص فيك واتوه في الأعماق. أستنشقكِ مع كل شهيق يدخل في صدري يتوغل في كل كياني. ترتوي منك عيناي وصدري ووسادتي. أفكر كيف أريدك أجمل، أتذكر شَعْر عِشتار الذهبي ورقبة نفرتيتي الجميلة، أريدك ان تكوني الأجمل من بين النساء. أريد ان اغير ترتب القطع في غرفة النوم، وأن ابوح لك بحبي للشاي في الكاسات الزجاجية وعشقي للقهوة في فنجاني القديم.
غدا سأطلب منها ان نلعب لعبة ورق كنت العبها قبل الطوفان، غدا سأطلب منها ان ترتدى اللون الزهري في ثقافة أبناء النيل الأزرق بلون صفاء السماء، وانه يختلف عن اللون الزهري المتعارف عليه لدى عِشتار المنتمي للون الزهر المتشبع بالحمرة كخد البنات. ويأتي الغد وقبل ان اهمّ بالبوح بما رتبتُ وخططتُ فتذهب فجأة، ويأتي الغد وتذهب أبكر. تذهب خططي هباء وترتيباتي تحملها ريح هوجاء. وأفكر فقط في أن اتشبث بها، امنعها من الرحيل، أحاصرها، أسترضيها، اتنازل عن كل الطلبات وأتناسى كل الأحلام. تواصل ابتعادها يوما فيوما. يضج بمحاولاتي الكون، تشاركني الزهرة، تستيقظ النجوم من سباتها وتعود لتضيء مصابيحها وتبحث معي عنك.
يا لك من عاشقة محترفة، ترويني من حبك ولا تجعلني أشبع منك. اشتاق اليك وقبل ان يتسلل اليأس الي نفسي ترسلي عيناك تداعبني بلحظك. انت عاشقتي مثل القمر يحبك كل الكون ويعشقك كل الشباب من بدء الخليقة. أعلم ان لديك وجها اخر، أعلم ان تضاريسه مختلفة، وأن برده لا يطاق وأعلم ان فيه براكين وحمم ونيازك تتساقط مثل الأمطار. ارتضيت منك ان أعيش دورة عشقك وتقلبات مزاجك. درست مدار الأفلاك والتقويم كي اضبط تقويمي مع تقويمك القمري ارتضيتُ ان تكوني لي القمر بشرط أن ابتعد عن الوجه الآخر.