العاصمة

مسافر نصف الليل…. إيمان العادلى

0

إيمان العادلى
الأمر كله بدأ في حادثة، كنت مسافر على طريق مصر اسكندرية الصحراوي،

و كنت قاعد جنب السواق..
و عمال اتكلم معاه، عشان مينامش، لأننا

ف الوقت ده كنا ف الليل، و كان فاضل على

منتصف الليل نص ساعة..

و فجأة لقيت السواق أخد نَفَس طويل، و بان ع عينيه إنه يغيب عن الوعي، راسه

إترمت ع الدريكسيون و إيديه إتدلدلت بإهمال !

الأمر حصل بسرعة..

العربية بتنحرف عن مسارها… حاولت امسك الدريكسيون، لكن ملحقتش..

. العربية اتقلبت ف الهوا… صوت الناس بتصرخ… خبطات قوية و سريعة و

متتالية على هيكل العربية، او الميكروباص عشان أكون دقيق… حطيت إيدي حولين

دماغي عشان احمي نفسي… جسمي بيتخبط ف العربية… انا فاكر إن كان

في واحد راكب معانا هو و مراته و معاهم طفل رضيع.. !

و بدون سابق إنذار، لقيت نفسي إترميت برا العربية من الشباك..

جسمي فضل طاير ف الهوا، و آخر حاجة حسيت بيها هي ملمَس الرمل البارد، و

بعدها فقدت الوعي

..
و لما صحيت، كان ف صوت دوشة عالية حولين مني، خبط و رزع و أصوات ناس كتير بتتكلم..

فتحت عيني، الرؤية كانت ضبابية ف الأول، لكن مع الوقت بدئت توضح، و

شوفت مصباح قديم متعلق ع حيط لونه بني..

مش عارف هل ده لون الحيطة فعلًا، ولا النور البرتقالي اللي صادر من المصباح

هو السبب.. !
قمت من مكاني، ضهري كان واجعني جدًا، و ف صداع حاسس إنه هيموتني..

قمت قعدت و فضلت ادعُك ف عيني، كنت بقول إني أكيد ف خيمة بتاعت الناس

البدو، و ده بيفسر وجود المصباح القديم ده، و لون الحيط البني، أو اكيد هتكون الخيمة..

لكن لما بصيت قدامي لقيت ف حاجة غريبة جدًا..

انا شايف قدامي ناس، لابسين هدوم كاسيها التراب، شكلهم متبهدلين..

أطفال صغيرة لا تقِل قذارة عن الناس الكبيرة، بيلعبوا مع بعض تحت نور

المصابيح..
مفيش قمر.. مفيش شمس… مفيش سما من الأساس !!

– انت كويس دلوقتي؟

الصوت ده جه من جنبي، بصيت بسرعة، كان راجل شبه الباقيين، لابس هدوم

متقطعة و مخلوطة بالطين و العفن..

قلت له:

– انت مين؟ و انا فين؟
فتح بُقه عشان يبتسم، و من ورا شفايفه

شوفت منظر أسنانه السودا المنخورة..!

قال:

– انا إسمي يوف، و أنت هنا ف الملجأ.
رديت عليه:
– ملجأ ايه؟

– الملجأ اللي بناه سيدنا نبيل عشان يحمينا.
و قبل ما أرد عليه، سمعت صوت حد

جاي ناحيتنا، كان شاب ف مقتل العمر،

عينيه كان لونها أخضر، و دي الحاجة الوحيدة اللي كانت بتغفر له القذارة اللي ك

مغطياه..

اتكلم و قال:
– طلما صحيت، شوف شغلك..

بصيت للي كان واقف معايا الأول، لقيته بيقولي:

– رد عليه.
لسه هتكلم و اقوله أرد على مين، لقيت إيد تقيلة إتحطت ع كتفي، كان الشاب أبو

عيون خضرا، و كرر نفس كلامه تاني:
– طالما صحيت، شوف شغلك، مفيش مكان هنا للكسل.

و لف وشه و مشي.. !

بصيت للي إسمه يوف ده، لقيته واقف

مبتسم لي بلزوجة، فقلت له:
– انا إيه اللي جابني هنا؟

رد بطريقة حسيت منها إنه غبي بس بيدَّعي الذكاء:
– قَدَرَك جابك هنا.

– قدر ايه و بتاع ايه، انا فاكر إني.. اني كككنت ف ميكروباص و اتقلب بيا و انا

طِرت من الشباك، إيه بقى اللي جابني هنا؟
رد بنفس طريقة إدِّعاء الذكاء:

– قلت لك قَدَرَك.

بدأ يعصبني، فزعقت فيه..

فجأة لقيته تحوَّل من شخص مُبتسم بيدَّعي الذكاء، إلى واحد غاضب، و

مسكني من ايدي بقوة، و لقيت ف اتنين تاني جُم ساعدوه يمسكني، و جرجروني

ع الأرض، وسط نظرات الناس و الأطفال

اللي بتلعب..
و انا عمال أصرخ و أْمرهم يسيبوني.

. و فجأة، الأرض إختفت من تحتي،

و بعد أقل من ثانيتين رجعت تاني خبطني ف ضهري بقوة.. انا وقعت في حفرة،

او بمعنى أدق، إترميت فيها.. !

قمت من مكاني و بصيت لفوق، شايف نور المصابيح عند فوهة الحفرة، و شايف

ظلالهم بتبتعد..
فضلت أصرخ و أشتم فيهم و أتوعَّد إني مس هسيب حقي لما أطلع من هنا..

– مفيش مخرج.
جالي الصوت ده، قطع صراخي..
بصيت بعيني ف المكان.. مكنش

فيه غير الضلمة ف كل حتة، سألت بصوت مرتجف:
– مين هنا؟

سمعت صوت كأن ف حد بيتحرك، و من وسط الظلام لقيت ف شاب طويل و

هزيل، كان باين عليه الضعف و الوهن..

قرَّب مني، وقف قدامي و قال:
– انت شكلك جديد هنا.

– انت مين انت كمان؟
– صدقني مش هتفرق معاك ف حاجة

تعرفني، قدر ما هتفرق إنك تعرف أنت

فين.
رديت عليه بتلقائية:
– طب انا فين؟

– تحت الأرض !

قلت له بإستغراب:
– تحت الأرض إزاي؟

فجأة لف وشه الناحية التانية، و بدأ يتكلم:
– اغبيا، من الذين إتَّبعوا، ماشين وراه زي

العميان، اغبيا اغبيا.

حسيت لوهلة إني محبوس مع شخص مجنون، و بدأ يكلم عفاريته اللي

هما أصلًا مش موجودين، فقلت له:
– هما مين دول؟ انت بتتكلم عن مين؟

رجع بص لي و قال:
– الناس اللي فوق دول – و شاور بإيده

لفوق ناحية فوهة الحفرة- مجموعة من الاغبياء المُغيبين، مش فاهمين أي حاجة.

حاولت اهدّيه عشان أفهم منه، لقيته قعد ع الأرض و شاور لي اقعد قدامه.

.
و أخد نَفَس عميق و قال:
– كان ف واحد زمان إسمه نبيل، راجل

غبي، و هو زعيم قوم الحمير اللي فوق دول، عِرِف إن نهاية العالَم قرَّبِت، و إن

الشمس هتضرب الأرض و الطبيعة هتصُب غضبها علينا، ففكر إنه يقدر يتفادى

الغضب ده بإنه ينزل يعيش تحت الأرض، و أخد معاه شوية أغبيا، و بدأ يحفر

المكان ده، و كل واحد فيهم جاب عيلته و عاش تحت الأرض..، و مرِّت السنين و لم

يحدث شيء، مفيش شمس ضربت الأرض ولا طبيعة ثارت علينا، فطلب منه

واحد إنه يخرج يتفقد الحال فوق الأرض، و لو كانت بخير نطلع نعيش فيها، لكنه

رفض، و قرر إنه هيعيش هنا، و بمساعدة كام معتوه معاه، حط قوانين للمكان

، و إن مش مسموح لحد يخرج برا.. و بعد سنين انا إتولدت، و ف صِغري مكنتش

بحب اللعب مع الأطفال، و كنت هاوي الاستكشاف، و طلبت إني أشوف المكان

فوق الأرض عامل إزاي، لكن طلبي إترفض كسابقي، و لكن بعد إلحاح مني،

خرج معايا واحد من الحرس، و وراني المكان برا، كانت عبارة عن رمل ف كل

مكان، صحراء جرداء، مفيش اي مصدر للحياة، و قال لي الحارس إن ده شكل

المكان فوق الأرض، و إن تحت أحسن، بس عارف لما يبقى جواك إحساس إنهم غلط،

و إن المكان فوق مش زي ما إحنا فاكرين.. عدت السنين و كبرت، و حاولت افهِّم فيهم

إن فوق الأرض مش وحش، و إننا ممكن نعمره، لكنهم زي ما قلت، مجموعة من

الاغبيا و الذين إتَّبعوا، قالوا إن الطبيعة ممكن تثور علينا ف أي وقت و مش هينفع

نطلع..، لكني تمرَّدت، و بسبب كدة إترميت هنا، بس انا متأكد إن فوق الأرض

أحسن من المكان اللي إحنا عايشين فيه ده.

بعد ما خلَّص كلامه، كنت ف حالة من الذهول، مش عارف أنطق أو أعلَّق بأي

حاجة..

سمعت صوت من فوق بيقول:
– طلعوه بسرعة.

بصيت لفوق، شوفت تلات أشخاص واقفين عند آخر الحفرة من فوق،

و دلدلوا لي حبل، و طلبوا مني أطلع..

و لما طلعت فوق، سحبوا الحبل ع طول،

كأنهم مش عايزين يخرجوا الشاب اللي تحت..

زعقت فيهم إني عايز أخرج من هنا، بص لي الشاب ابو عيون خضرا، و اللي بدأت

أخاف منه، و قال لي:
– الغبي اللي تحت ده مش فاهم حاجة،

مش فاهم إحنا عايشين هنا ليه، فاكر إننا مستخبيين من نهاية العالَم، زيه زي أبوه،

غبي و مفهومة على قده، و هو اللي طلب من سيدنا نبيل إنه يطلع يعيش فوق

الأرض.

قلت له:
– انا مش فاهم حاجة.

إبتسم برضا و قال:
– قد يكون فوق الأرض في عَمَار و بيوت

متزيّنة بِحُليّ، لكن القلوب مش صافية، مليانين حقد و غِل و كراهية..، عكسنا

تمامًا، كلنا هنا بنحب بعض، و لو حد تطاول ع التاني او عَلّى صوته او تمرَّد،

بيتم حبسه كعِقاب له، و بعد كدة بيتم الصُلح، إحنا هنا عايشين بدين الإنسانية،

بعيدًا عن البشر البُغضاء.
سألته سؤال بينُم عن غبائي، أو إني

مسمعتش حاجة من كلامه و مركِّزتش معاه:
– طب انا ايه جابني هنا؟

إبتسَم..

– يا أستاذ يا أستاذ، يا نهار اسود هو مات ولا إيه يا أخينا !!

فتحت عيني براحة، لقيت ف وشي إزاز شفاف، بصيت جنبي ع مصدر الصوت،

لقيت سوّاق الميكروباص اللي كنت راكب معاه، قال لي:

– قوم وصلنا..، ايه يا عم انت نِمت، و انا اللي قلت إنك أنت اللي هتسليني و انا

سايق، دا انت دماغك خفيفة خالص.
قلت له:

– هو إحنا فين؟
قال بطريقة مستفزة:

– اه، انت صاحي من النوم تسأل و تستفسر، ياعم إنزل روح شوف

لك حتة تنام فيها.

نزلت من الميكروباص، مشيت وسط الناس، شوفت اللي بيشتم ده، و اللي

بيتمرد ع ده عشان أضعف منه، و اللي بينافِق..

انا فاكر إن الرسول قال من علامات الساعة كثرة الفِتَن، و ده اللي بيحصل دلوقتي و

قدام عيني..

يعني أكيد النهاية قرَّبِت، انا لازم أستخبَّى..
و لازم أبعد عن الفِتَن..

انا لازم أعيش وسط ناس نقية.. طاهرة القلب..

و أول ما هلاقيهم هاخدهْم و نعيش ف مكان مُنعزِل لوحدنا..

مكان بيسوده دين الإنسانية، بعيدًا عن البشر، اللي قلوبهم مليانة حقد و غِل و

كراهية..
و انا عارف المكان ده هيبقى فين، بس قبل ما أبدأ بأي شيء، أحب أعرفكم بنفسي، انا

إسمي نبيل..،

و طالب إني الاقي ناس طاهرة القلب، نقية تعيش معايا تحت الأرض.. !؟

.
.

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading