
تزوير الشهادات العلمية … كيف ننقذ الوطن من شبكة الجواسيس والمخربين والمفسدين
بقلم : مهندس/ حسام محرم سياسي ونقابي مصري – والمستشار الأسبق لوزير البيئة
لقد دقت واقعة اكتشاف ما يربو على 15 ألف شهادة دكتوراه مزورة في دولة الكويت الشقيقة ناقوس الخطر في المنطقة العربية بأكملها، بعدما كشفت التحقيقات وصول أصحاب تلك الشهادات إلى مناصب قيادية عليا وحساسة في مفاصل الدولة. إن هذه الواقعة، وما تلاها من إجراءات عزل ومحاسبة، لا ينبغي النظر إليها كجريمة تزييف عابرة، بل هي “ثغرة استراتيجية” بالغة الخطورة؛ إذ يمتد خطرها ليشمل تحالفاً غير مقدس بين شبكات الفساد والمصالح غير المشروعة من جهة، وبين عمليات التجسس التخريبي من جهة أخرى، وكلاهما يستهدف النيل من مفاصل الدولة وأمنها القومي عبر زرع عناصر تخريبية في مراكز صنع القرار. وكلنا يذكر القصة الشهيرة لتخريب الاتحاد السوفيتي والتي تضمنت تجنيد أحد القيادات السوفيتية لإختيار أسوأ العناصر المرشحة المناصب العليا في الدولة، وهو ما تسبب في إنهيار الدولة السوفيتية، وبعدها الكتلة الشرقية كلها خلال عشر سنوات تقريبا، أي أن الجاسوسية التخريبية تفوق قوتها تأثير القنبلة الذرية.
إن تاريخ الجاسوسية، وكذلك تاريخ قضايا الفساد الكبرى، مليء بحالات تم فيها استخدام تزوير الشهادات لخلق “أغطية مدنية” (Legend) تضمن لأصحابها الصعود السريع وتشكيل مراكز قوى موازية، ومن أبرز هذه النماذج:
1- جاسوس مزور كان يعمل طبيباً للعلاج الطبيعي للرئيس السادات بموجب شهادة مزورة منحت له بدعم من “الموساد” للإقتراب من رأس السلطة وتم إكتشافه لاحقاً.
2- ٱنا تشابمان (Anna Chapman): جاسوسة روسية استخدمت شهادة ماجستير إدارة أعمال (MBA) مزورة لاختراق مجتمع المال وصناع القرار، مما يوضح كيف يخدم التزوير الأجندات المخابراتية التخريبية.
3- يورغن كروتشينسكي (Jürgen Kuczynski): عميل استغل لقب “بروفيسور” كغطاء لإدارة شبكة تجسس سوفيتية في مجال الذرة، مستفيداً من الحصانة المجتمعية التي يمنحها اللقب العلمي المزور.
وفي ظل التحديات المتعلقة بتوسع ظاهرة “تزوير الشهادات والأقنعة الأكاديمية”، لم يعد كشف التزوير يقتصر على الورق، بل أصبح معركة تقنية لكشف من يسخرون العلم لخدمة شبكات الفساد أو أجهزة المخابرات، ومن بينها الوسائل الٱتية :
أ- التوثيق الرقمي المشفر للشهادات، مما يتيح لاحقا كشف التزوير بمطابقة البصمة الرقمية للشهادة بسجلات الجامعات الأصلية عبر تقنيات (Blockchain) لقطع الطريق على المزورين مالم يكون هناك تواطؤ مع المزور من جهة إصدار الشهادة،
ب- تتبع المسار الدراسي للشخص إلكترونياً للتأكد من وجود أثر فعلي له، وكشف “الفجوات الزمنية” التي تختبئ وراءها تلك الإختراقات.
ج- فحص أسلوب كتابة الأطروحات العلمية المزور بإستخدام الذكاء الاصطناعي لكشف الأبحاث “المصنوعة” التي تُمنح كغطاء للجواسيس والمخربين أو للفاسدين.
د- المقابلات الفنية العميقة من خلال إخضاع المزور لمناقشات تخصصية دقيقة لكشف الثغرات في ذاكرته الأكاديمية، وهو ما يسقط أقنعة من لا يملكون من العلم إلا اللقب.
رؤية استراتيجية لتحصين مؤسسات الدولة :
إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب استراتيجية أمنية شاملة لا تفرق بين “المزور المفسد” و”المزور الجاسوس”، فكلاهما معول هدم، وذلك عبر المحاور التالية:
1- مراجعة شهادات كافة شاغلي المناصب القيادية الحاليين والسابقين (وكذلك موظفي الدولة عموما) لضمان خلو المواقع الحساسة من أي مزورين، وفي حالة وجود تزوير يتم تحديد ما إذا كان مجرد تزوير أم أن هناك أيعاد أمنية أكبر سواء جاسوسية تخريبية أو فساد أو غيرها،
2- عدم الإكتفاء بأسلوب فحص “الأوراق” والتحول إلي فحص “الشخص” والأوراق أيضاً، لقطع الطريق على عمليات “زرع” المخربين والمفسدين.
3- تحويل المناصب العامة (حكومية أو غير حكومية) إلى “مصيدة” لكشف المزورين والجواسيس والمخربين والمفسدين من خلال إخضاع أي شاغل (حالي أو سابق) لأي منصب أو مرشح لأي منصب (بداية من رئيس قسم أو مدير إدارة وصولاً إلى المناصب السياسية والبرلمانية والتنفيذية والحزبية والمجتمع المدني) لفحص أمني ورقابي وأكاديمي (سابق علي شغل المنصب أن كان حكوميا، أو لاحق علي شغل الموقع أن كان غير حكوميا). وهذا الإجراء يضمن عدم “تلميع” شخصيات مزورة تخدم شبكات الفساد أو أجهزة معادية، وبذلك تتحول المناصب العامة (حكومية أو غير حكومية) إلى “فخ جديد” يكتشف المزورين والمفسدين والمخربين بمجرد سعيهم للظهور في واجهة المشهد ويصبح خيطاً يقود للإمساك بشبكات الفساد أو التجسس التخريبي وربما الإرهاب أيضاً، فالتزوير هو القاسم المشترك لكل هذه الأنشطة الهدامة.
4- تطبيق هذه التدابير بأثر رجعي لبناء “قواعد بيانات تاريخية” تضمن تطهير المؤسسات من رواسب شبكات المصالح غير المشروعة التي قد تكون تغلغلت في سنوات سابقة.
وفي هذا الصدد، فقد تقدمت بمقترح لوزير الداخلية والرقابة الإدارية عبر البوابة الإلكترونية لمنظومة الشكاوي الحكومية الموحدة (التابعة لمجلس الوزراء) برقم ١١٢٥٠٠٠٤ بتاريخ ١٦ ديسمبر ٢٠٢٥ يتضمن إشارة إلي ارتباط تزوير الشهادات بملف الجاسوسية وشبكات الفساد، ويتضمن مقترحات لكشف ومكافحة تزوير الشهادات منقولة عن متخصصين في هذا المجال.
إن تطهير الجهاز الإداري للدولة والمجتمع المدني والنخبة السياسية المصرية والعربية ككل من حاملي الشهادات المزورة والمفسدين والجواسيس المخربين وفاقدي الأهلية هو معركة أمن قومي، تهدف إلى حماية الدولة من سرطان الفساد ومن محاولات الإفساد والتخريب التي تستهدف النيل من استقرار وسلامة وثروات ومقدرات مصر والوطن العربي ككل.
اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
https://shorturl.fm/FOoZm