العاصمة

نحو سياسة إسكان عادلة … إنقاذ المواطن المصري من الجشع وسوء الأولويات

0

بقلم: م. حسام محرم سياسي ونقابي مصري المستشار الأسبق لوزير البيئة

في الوقت الذي يشهد فيه السوق العقاري المصري تصاعدًا غير مسبوق في الأسعار، أصبح حلم السكن اللائق بعيد المنال لملايين المواطنين. فمن أزمة عمرانية مزمنة إلى عبء اقتصادي واجتماعي يهدد استقرار الأسر ومستقبل الأجيال، تتفاقم المشكلة في ظل غياب رؤية شاملة تراعي العدالة والاحتياج الفعلي للناس، لا مصالح الشركات فقط. وقد بات من الضروري، أكثر من أي وقت مضى، إعادة النظر في السياسات الإسكانية بمصر، وتوجيهها نحو العدالة الاجتماعية وضمان الحق الدستوري في السكن الكريم والآمن والدائم. وهنا، تبرز الحاجة إلى تبني سياسة إسكان عادلة ومستدامة، تضع المواطن في قلب المعادلة، وتكبح جماح الجشع وسوء إدارة الموارد. ولم تعد أزمة السكن مجرد قضية تتعلق بعدد الوحدات أو أسعار المتر، بل تحولت إلى أزمة طبقية حادة تهدد التماسك المجتمعي. ملايين المصريين من أصحاب الدخول المحدودة، وأرباب المعاشات، والمطلقين، وضحايا قوانين الإيجار العقيمة، يعجزون اليوم عن إيجاد مأوى مناسب في وطنهم، وهو ما يفتح الباب لأزمات اجتماعية خطيرة، كالعزوف عن الزواج، والانحرافات السلوكية، والتشرد الصريح والتشرد المقنع.

في هذا السياق، تبرز مجموعة من المحاور المقترحة لتأسيس سياسة إسكان أكثر عدلاً وإنصافًا، تراعي التوازن بين البعد الإنساني والاعتبارات الاقتصادية:

1. نظام “حق الانتفاع” بديلًا عن التمليك

ونقترح هنا بديلًا عن النموذج التقليدي القائم على التمليك الكامل للأراضي والوحدات، حيث يمكن تبني نموذج “حق الانتفاع الدائم والمجاني لوحدة عقارية واحدة لكل حالة زواج أحد طرفيها مصري … وكذلك لكل شاب مصري أعزب ” وما يزيد عن ذلك من مساكن إضافية للإستثمار تخضع لرسوم رمزية أو شاليهات يكون بنظام حق الانتفاع أو طويل الأجل”، سواء للمواطنين أو للمطورين. هذا النظام يساهم في تقليل تكلفة الوحدة بنسبة تتراوح بين ٢٠ % إلي ٥٠ – ٦٠ ٪ طبقا لموقع الأرض وبالتالي سعرها. وتسهم هذه الٱلية خفض كبير في سعر الوحدة السكنية، كما أنها تسهم في حماية الأمن القومي عند تطبيقها علي الأجانب الذين يجب ألا يتملكوا أراضي في مصر بل حق إنتفاع مؤقت مقابل رسوم بالدولار.

2. تبني أنماط بناء سريعة وذكية ومنخفضة التكلفة

ينبغي الاتجاه نحو تكنولوجيا البناء السريع والمستدام (خاصة لتلبية حاجات الإسكان الإجتماعي محدود التكاليف) … ومن بين تلك الأنماط المباني سابقة التجهيز، والانشاءات المعدنية، والكرفانات الحديثة، والمخيمات الجماعية، وغيرها من أنماط البناء السريعة وذات الطاقة الإنتاجية العالية، والتي تضمن إنتهاء المشروعات في أسابيع بدلا من سنوات في ظل العجز الكبير في الطاقة الإنتاجية لقطاع الإنشاءات، مع الإلتزام بمعايير العمارة الخضراء، وكفاءة الطاقة، وتقنيات إدارة المخلفات، حيث أن هذه النماذج لا توفر فقط الوقت والتكلفة بشكل كبير، بل تضمن أيضًا بيئة معيشية صحية ومستدامة.

3. إنشاء “استوديوهات” مجهزة بأثاث “مدمج ذكي موفر للمساحات متعدد الإستخدام”

ونقترح ذلك لمواجهة معاناة فئات ضعيفة في المجتمع مثل كبار السن بدون أبناء مقيمين، والمطلقين والمطلقات، وذوي الإعاقة، وضحايا الإيجار القديم، والشباب الصغير المقبل على الزواج، وغيرها من الفئات التي يمكن توفير وحدات صغيرة (أستوديوهات) بنظام حق الانتفاع مدى الحياة، مجهزة بأثاث مدمج ذكي موفر للمساحات ومتعدد الاستخدامات built-in smart furniture للتخفيف عن المواطنين وتوفير جزء كبير من تكلفة التأثيث الأولي. وهذا النموذج يخفف من التكدس، ويحل المشكلات الأحوال الشخصية بين المطلقين المرتبطة بالتمكين من شقة الزوجية والقضايا المرتبطة بقائمة المنقولات الزوجية، مما سيسهل الزواج ويخفض الخلافات والفتن الأسرية المرتبطة بالتمكين و المنقولات.

4. إتاحة التمويل العقاري فقط للفقراء ومحدودي الدخل ووقف إقراض المشروعات الفاخرة

من المهم أن يقوم البنك المركزي بإلزام جميع البنوك بالمشاركة الفعالة في توفير قروض ميسّرة لشراء وحدات الإسكان الاجتماعي فقط، خاصة وحدات الفئات غير القادرة. مع حظر إقراض المشروعات الفاخرة لأنها موجهة للأغنياء فقط، كما يجب فرض رقابة صارمة على هوامش الأرباح، وكبح جماح المضاربة.

5. التأمين على مخاطر المشروعات الإنشائية

لابد من تطبيق نظام تأمين إلزامي ضد تقلبات أسعار مواد البناء، يشمل المطورين والموردين، ويضمن تسعيرًا شفافًا ومستقرًا بعيدًا عن التحميل غير المبرر على المشتري، مع ضرورة تثبيت سعر صرف موحد في العقود ودراسات الجدوى.

6. إسكان إجتماعي فوري للفئات العاجلة

يمكن تنفيذ مشروعات إسكان اجتماعي عاجلة للفئات الأشد تضررًا، باستخدام وحدات سريعة التجهيز (كما أسلفنا في فقرة سابقة) علي أن تكون مؤثثة بأثاث مدمج …. وجاهزة للسكن الفوري، بالتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث. إذا توفرت الإرادة السياسية والتخطيط العلمي، يمكن احتواء الأزمة خلال عامين فقط.

إننا اليوم أمام مفترق طرق: إما أن نستمر في ترك سوق الإسكان فريسة للمضاربين والمصالح الضيقة، أو أن نتجه بحزم نحو سياسة تضع العدالة والكرامة الإنسانية أولاً. فلا يُعقل أن يبقى ملايين المصريين في حالة سكنية مزرية، بينما تُشيَّد المدن الفاخرة والمشروعات العقارية التي لا تخدم سوى شريحة ضئيلة.

المواطن المصري يستحق أكثر من مجرد سقف يقيه المطر … يستحق سياسة تنظر له كإنسان، لا كرقم في معادلة استثمارية.

**************************************

عن الكاتب:
م. حسام محرم
سياسي ونقابي مصري
المستشار الأسبق لوزير البيئة
عضو لجنة البيئة في نقابة المهندسين
الأمين العام المساعد لنقابة العاملين في وزارة البيئة
متخصص في قضايا الصناعة والجودة والبيئة


اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

آخر الأخبار