
سيناء بوابة الحرمين
بقلم الدكتورة :مني عبيد
تتميز مصر بموقعها الجغرافي الفريد الذي يربط بين قارات العالم القديم: أفريقيا وآسيا وأوروبا، وهو ما جعلها محطة رئيسية للحجيج المتجهين إلى بيت الله الحرام على مر العصور. فقد انقسم طريق الحجيج المصري إلى أربعة أرباع: يبدأ الربع الأول من صحراء القاهرة المعزية حتى عقبة آيلة، ثم يمتد الربع الثاني من عقبة آيلة إلى قلعة الأزلم، بينما يصل الربع الثالث إلى مدينة ينبع، وأخيراً يختتم الطريق بالربع الرابع الممتد من ينبع حتى مكة المكرمة.
ويُعد طريق الحجيج المصري عبر سيناء واحداً من أهم المسالك البرية التي سلكها الحجاج عبر التاريخ، إذ عبرت منه قوافل حجاج الأندلس والمغرب الأقصى وشمال أفريقيا والسودان والقارة الأفريقية بأسرها. وقد شهد هذا الطريق في عصر السلطان المملوكي قانصوه الغوري (٩٠٦ – ٩٢٢ هـ / ١٥٠١ – ١٥١٦ م) نهضة عمرانية غير مسبوقة، حيث خُطِّط لإعمار الطريق على مراحل نُفذت بدقة، حتى أصبح نموذجاً يحتذى به في التنظيم والخدمات.
ومن المظاهر اللافتة في العصر المملوكي، إنشاء مقابر خاصة لدفن الحجاج الذين وافتهم المنية خلال أداء المناسك على هذا الطريق، ما يعكس اهتمام الدولة بحماية أرواح الحجاج وتوفير الرعاية اللازمة لهم.
وتشير الدراسات إلى أن هذا الطريق لم يكن مقتصراً على الحج فقط، بل استُخدم كطريق حربي وتجاري إلى جانب دوره الديني، وهو ما يعكس أهميته الاستراتيجية في العصر المملوكي. كما خضعت منشآته – سواء المائية أو الخدمية أو الحربية – لنظام حراسة مزدوج: حراسة نظامية تتبع الدولة عند المناهل الكبرى مثل عجرود ونخل والعقبة، وحراسة قبلية تتولاها القبائل والعربان مقابل عطايا أو مرتبات تُدفع سنوياً من قبل أمير الحج المصري.
ولم يقتصر دور طريق الحجيج المصري على الجانب الديني، بل أسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية ونشر العلوم وإثراء العمارة الإسلامية، ليظل شاهداً على تلاقي الحضارات والأمم عبر شبه جزيرة سيناء، ويمثل إرثاً حضارياً يستحق المزيد من البحث والدراسة.
د.منى عبيد
اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.