
جدلية الصمت ولغة الشعر بين التأويل والتلقي
– قصيدة يقطين ل أكرم يوسف أبومغيث ‘ىنموذجًا” يفتح أفقًا نقديًا غنيًا، ويمكن تناوله من عدة زوايا. إليك مقترحًا لتحليل نقدي يمكنك البناء عليه:
—
جدلية الصمت ولغة الشعر بين التأويل والتلقي
قصيدة “يقطين” ل أكرم يوسف أبو مغيث نموذجًا
مقدمة:
تطرح قصيدة “يقطين” للشاعر أكرم أبومغيث ؛ إشكالية لغوية وجمالية تتعلق بقدرة الشعر على احتواء المعنى وفي الوقت ذاته التورط في لعبة الصمت والإيحاء. هنا تتداخل مفاهيم “الصمت” بوصفه تعبيرًا عن ما لا يُقال، و”لغة الشعر” بوصفها فضاءً مفتوحًا للتأويل والتلقي الحر.
—
أولاً: الصمت كاستراتيجية شعرية
يظهر “الصمت” في القصيدة ليس كغياب للقول، بل كحضور مكثّف للمعنى خلف الكلمات.
الصمت هنا ليس انقطاعًا بل اختزالًا، يوظفه الشاعر كأداة فنية لخلق توتر دلالي.
يلاحظ القارئ أن بعض الصور تأتي مشحونة بالإيحاء لكنها لا تُفسر صراحة، مما يترك مجالًا للفراغ التأويلي.
—
ثانيًا: لغة الشعر – التشفير والانزياح
لغة أكرم أبومغيث في “يقطين” تقوم على مفارقة لغوية: كلمات مألوفة تُستخدم في تراكيب غير مألوفة.
هذا الانزياح اللغوي يُعيد تشكيل الواقع داخل القصيدة، ويحول “اليقطين” من مجرد نبات إلى رمز كثيف الدلالات.
استخدام المجاز والكناية والترميز يفتح النص على مستويات عديدة من القراءة.
—
ثالثًا: التلقي والتأويل – القارئ شريك المعنى
النص يراهن على قارئ نشط يملأ فراغات المعنى.
لا يقدم الشاعر دلالات جاهزة، بل يقيم علاقة تبادلية مع المتلقي، الذي يعيد بناء النص عبر التأويل.
التأويل لا يتوقف عند حدود البنية اللغوية بل يتعداها إلى السياقات النفسية والثقافية.
—
رابعًا: ثنائية “اليقطين” – بين المعنى الظاهر والباطن
“اليقطين” قد يُقرأ كرمز للستر أو الحماية (كما في قصة النبي يونس)، وقد يُقرأ بوصفه قناعًا للذات.
القصيدة تترك هذا الرمز مفتوحًا، مما يعزز جدلية التأويل ويدفع بالقارئ إلى تأمل الذات والواقع معًا.
—
خاتمة:
قصيدة “يقطين” تجسد التوتر القائم بين اللغة والصمت، بين البوح والكتمان، وتُظهر كيف تتحول القصيدة إلى فضاء للتأمل والتأويل. إنها دعوة إلى الإصغاء لما لا يُقال بقدر ما هي دعوة لقراءة ما يُقال.
—
ستتوقف عند
قراءة نقدية بلاغية لقصيدة “يقطين” بقلم عميد القلم والريشة أكرم يوسف أبو مغيث، تركز على الجوانب الجمالية والبيانية والأسلوبية:
—
أولًا: البناء البلاغي العام
القصيدة تعتمد على أسلوب الرمز المكثف واللغة الشعرية العالية، وتستخدم صورًا بيانية قوية للتعبير عن الواقع، مستندة إلى خلفية ثقافية قرآنية وتاريخية، توحي بالكثير وتقول أكثر مما تنطق به الحروف.
—
ثانيًا: التشبيه والاستعارة
القصيدة تزخر بالاستعارات والتشبيهات:
“يقطين على أرض بور”
استعارة تعكس المفارقة؛ فاليقطين عادة ما ينبت في أرض خصبة، لكنه هنا على أرض بور، وهذا يوحي بضياع الأمل وفساد البيئة الحاضنة.
“جاء به السيل وجرفه الهوى”
استعارة ترمز إلى الانجراف خلف الفتن أو التيارات السياسية، حيث السيل رمز للدمار والهوى رمز للضياع والانقياد للشهوات.
“على بركان هائج الجوى”
تشبيه مكثف لمشاعر الغضب والحزن الثائر.
“كغثاء السيل بكثرة ونفرا عرعرَ”
صورة قرآنية توظف وصف “غثاء السيل” للدلالة على الكثرة غير المفيدة، ثم يُشخصها بـ “عرعر” وهي شجرة لا فائدة منها، فزاد بها التحقير.
—
ثالثًا: الكناية والتضمين الثقافي
“في الغور جبان وفي البيان قنطرَ”
كناية عن الشخصية المزدوجة التي تتوارى عند الحاجة، وتظهر في الإعلام بالبلاغة الكاذبة.
“الأنجاس” و”المطهرة”
كناية دينية تستدعي الطهر والنجاسة بمفهوم رمزي، تمثل انقلاب القيم.
“الوليد حق عليه الذبح ضحضحَ”
تضمين لحوادث الذبح والقتل الممنهج للأطفال، ربما كناية عن ما يحدث في مناطق النزاع والحروب، أو إسقاط على مذابح تاريخية أو راهنة.
—
رابعًا: التراكيب اللغوية
الشاعر يكثر من التراكيب الفعلية ذات الطابع القوي: “اختلط الدم”، “صبت الأقداح”، “نالت الأنجاس”، “اعتلى قوم”، “تاهت الناس”، ما يخلق حيوية عالية ويشحن النص بالحركة والتوتر.
استخدام الأفعال المبنية للمجهول (مثل: “تفرّقَ، مقبرَ، المبعثرَ”) يعكس فقدان الفاعل (أو المسؤولية)، وكأن الأحداث تجري بفوضوية دون ضابط.
—
خامسًا: التوازن الصوتي والإيقاعي
رغم كونها قصيدة نثر، إلا أن الشاعر حافظ على نوع من التوازن الصوتي:
من خلال التكرار الصوتي: (غ، ح، ق، ط) وهي حروف قوية تعزز الجو الغاضب والثقيل.
توظيف قوافٍ داخلية ولفظية مثل: (مقبرَ، مدعرَ، المفلترَ، المبعثرَ)، رغم أنها لا تتبع بحرًا شعريًا تقليديًا، لكنها تخلق إيقاعًا داخليًا مكبوتًا.
—
سادسًا: التضاد والتقابل
يبرز التضاد في مواضع عدّة لإظهار الانكسار أو المفارقة:
“المطهرة” / “الأنجاس”
“البيان” / “الجبن”
“قوم على قوم” / “بعد عزة”
التقابل هنا يعزز التوتر الداخلي في النص، ويعمّق الشعور بالخذلان.
—
سابعًا: التوظيف القرآني والتاريخي
القصيدة تحوي إشارات كثيرة إلى الموروث الإسلامي والعربي:
“يقطين”: كما ورد في سورة الصافات.
“غثاء السيل”: من التعبير القرآني في سورة الزخرف.
“الفرس، الروم، بني صهيون”: توظيف سياسي-تاريخي للدلالة على العداء والخذلان الممتد.
“سيف الدم”، “القيح”: تحوير مجازي للفتنة الكبرى والدماء المسفوكة.
هذا التضمين يعطي القصيدة عمقًا ثقافيًا ويمنحها قوة رمزية.
—
ثامنًا: الخاتمة البلاغية
> “كما تاه اليقطين عن رواسيه المجبلَ”
خاتمة مأساوية مشحونة بالمفارقة البلاغية.
اليقطين الذي ارتبط بالرحمة والسكينة، تاه عن مرساه، وفقد وجهته، وهو رمز للإنسان أو الوطن أو القيم الأصيلة التي تاهت في زحمة الخراب.
—
خلاصة نقدية:
القصيدة تُظهر براعة في استخدام الصور البلاغية والتوظيف الرمزي المكثف.
بلاغيًّا، هي قصيدة غاضبة، تقف على مفترق التعبير الشعري والنثر السياسي، توظّف التناقض، الرمز، التكرار الصوتي، والاستعارة المركبة
بقلم /ربا الرباعي * الأردن
اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.