
كاتب أمريكي: الرسوم الجمركية هدية دونالد ترامب للصين
إيمى عاطف
تُعد الصين أكبر مستفيد من الانهيار الناجم عن الرسوم الجمركية الأمريكية، فقد استغلت بكين الأزمات الغربية من قبل لاتخاذ مواقف متطرفة في الشؤون الدولية.
وقال تريفور فيلسيث، الكاتب بمجلة ناشونال انترست الأمريكية في تقرير نشرته المجلة إن البيت الأبيض نشر بعد ظهر يوم الجمعة الماضي بيانا يزعم فيه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “أطلق العنان للرخاء الاقتصادي” عن طريق فرض مجموعة كبيرة من الرسوم على عشرات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. وشددت الإدارة على أن الهدف هو ضمان حرية التجارة و “إبطال عقود من العولمة التي قضت على قطاع كبير من قاعدتنا الصناعية”.
وسواء تحقق هذا الجهد طويل المدى أو لم يتحقق، كانت الرسوم مدمرة على المدى القصير، حيث فقد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 حوالي عشر قيمته على مدار يومين من التداول. ومن المتوقع أن يتم تسجيل المزيد من الانخفاضات في الأيام المقبلة.
ويشير فيلسيث إلى أنه بينما تستجيب الأسواق الأمريكية لرسوم ترامب، يستجيب باقي العالم أيضا بطرق لا تصب في مصلحة أمريكا. وهدد الشركاء التجاريون التقليديون لواشنطن بوضع عقبات انتقامية في ظل مواجهتهم لاحتمال عقبات الرسوم المرتفعة، مما سيبطئ التجارة الدولية ويجعل الطرفين أسوأ حالا.
والأهم من ذلك، أنهم يلجأون إلى دول ثالثة لخلق سلاسل إمداد بديلة كي يكافحوا آثار هذه الرسوم، مما سيعزل أمريكا عمليا. وتعهدت كندا بالانتقام وأرسلت وفودا إلى الاتحاد الأوروبي لاكتساب شركاء جدد هناك.
ولجأت دول جنوب شرق آسيا إلى تعزيز التبادل التجاري بين بعضها البعض نظرا لمواجهتها رسوما جمركية أساسية من قبل الولايات المتحدة. ويدور أمر مشابه في أمريكا اللاتينية والمكسيك، التي أفلتت من عبء رسوم ترامب حتى الآن.
ويشير فيلسيث إلى أن رد الفعل الأجدر بالملاحظة جاء من اليابان وكوريا الجنوبية، أقدم حليفين وأكثرهما موثوقية في منطقة المحيطين الهندي- والهادئ. فقد التقى ممثلو الدولتين بنظرائهم في الصين وذكرت تقارير أنهم ناقشوا نهجا مشتركا إزاء التعامل مع رسوم ترامب وفقا لمصادر صينية، حيث تواجه كوريا الجنوبية احتمال تطبيق رسوم بنسبة 25 % واليابان بنسبة 24 % على جميع الصادرات إلى الولايات المتحدة.
ومن ناحيتها، تبدو بكين مبتهجة بتسلسل الأحداث. وبالطبع تم استهداف الصين أيضا بالرسوم وتعهدت حكومتها بانتقام موجه. لكن إن كانت الصين تعاني جراء سياسات ترامب، فإن قيادتها تبدو راضية معتقدة أن الولايات المتحدة تعاني أكثر بكثير.
ويرجح أن التقارير المتداولة عن زوال أمريكا من الساحة الدولية مبالغ فيها، لكن رد فعل بكين يوضح جانبا ثانيا من هذه الأحداث الدرامية. وإذا تواصلت الأزمة الأمريكية، أي إذا واصلت مؤشرات الأسواق الانخفاض واندفع العالم الغربي إلى هاوية الكساد وإذا ضعفت العلاقات طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وحلفائها لتتجاوز نقطة اللاعودة، من المؤكد أن ستستغل الصين الموقف لصالحها.
وابتعدت الصين عن الأنظار في الشؤون الدولية منذ نهاية عهد الرئيس ماو تسي تونج وحتى الأزمة المالية في 2008. وقللت في علاقاتها الخارجية من أهمية القضايا السياسية الشائكة مثل قضية تايوان، وسعت إلى الاستثمار بشروط مواتية وعززت العلاقات التجارية مع العالم المتقدم.
وفي ذات الوقت، انتشل ازدهارها الاقتصادي ملايين الصينيين من براثن الفقر ومنح الحزب الشيوعي الصيني الشرعية الضرورية.
وليس من قبيل المصادفة أن الطموحات الإقليمية لبكين صارت في موضع التنفيذ بعد هذه الأزمة. ففي مايو 2009 روجت الصين مذكرة في الأمم المتحدة توضح مطالبتها بالسيادة على بحر الصين الجنوبي برمته لتزيد من مخاطر المنافسة الجيوسياسية بصورة مثيرة. وشرعت في 2013 في بناء جزر اصطناعية فوق الشعاب المرجانية في جزر سبراتلي، لتبني عليها مهابط طائرات ومرابض صواريخ في نهاية المطاف. وفي 2014 أعلنت “السلطة الشاملة” على هونج كونج وقمعت الاحتجاجات التي أعقبت ذلك.
ولم تتباطأ وتيرة الأعمال العدائية الصينية إلا في منتصف العقد الثاني من القرن الحالي بعدما بدأت واشنطن في الرد بعواقب على بكين. وعندما تولى ترامب الرئاسة في ولايته الأولى في 2017، وسع التواجد الأمريكي بصورة كبيرة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأطلق مشروعات دبلوماسية جديدة في المنطقة، لا سيما الشراكة “الرباعية” بين أمريكا واليابان وأستراليا والهند، لكن يبدو أن الهدف الذي أحرزه ترامب في مرماه فيما يتعلق بمسألة سياسة الرسوم قد غير هذا.
ويُعرف عن شي جيدا أنه متشكك في نموذج التجارة الحرة الغربية. ويدرك، مثل ترامب، أن مصدر قوة أي أمة قوتها الصناعية، وأن هذه القوة أهم من حرية التجارة المطلقة. لكنه على العكس من ترامب أمضى سنوات يروج لنموذج “تداول مزدوج” في الاقتصاد يرتبط فيه العرض المحلي بالطلب.
أما بصدد الشكل الذي يجب أن يكون عليه رد فعل أمريكا؟ يرى فيلسيث أنها يجب أولا أن تبعث بإشارة واضحة إلى بكين أنها سترد بقوة في مواجهة أي عدوان إقليمي إضافي، والأبعد من هذا هو أنه يتعين على واشنطن أن تتخذ خطوات لتتفوق اقتصاديا على بكين.
ولحسن الحظ، هناك نقطة ضعف في نموذج “التداول المزدوج”. فهو مستقر، لكنه محدود بطبيعته لنفس سبب محدودية جميع الأنظمة الاقتصادية القائمة على الاكتفاء الذاتي. وإذا كانت إدارة ترامب ترغب حقا في التفوق على الصين، سيكون أكبر مصدر قوة لها، للمفارقة، التجارة الخارجية، فقد تكون الرسوم الرامية لتطوير قاعدة صناعات دفاعية أمريكية، حتى عن طريق المنافسة مع الحلفاء، ضرورية لأسباب متعلقة بالأمن القومي، لكن الرسوم الشاملة على جميع البضائع الأجنبية غير موفقة.
ويختم الكاتب تقريره بالقول إنه عندما تكون الولايات المتحدة ضعيفة، تكون الصين قوية. إن رسوم ترامب تضعف الولايات المتحدة في تصور الصين وفي الواقع، ولا بد أن يجد طريقة للخروج منها
اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.