العاصمة

الأدب الشعبي بين القبول و الإعتراض …

0

 

 

بقلم الأديب / منير راجي

 

ان الانسان أدبي بطبعه , حتى و ان كان لا يجد في ذلك متعة أو ذوقا اتجاهه لسبب من الأسباب, الا أنه عنصر يفيض أدبا و فنا … كثيرون هم الذين يعتقدون أن الأدب هو مجرد كلام ديكوري يدخل ضمن الكماليات , دون أن يعرفوا أنهم قد مارسوا الأدب و أثروا فيه و تأثروا به..

لقد تعودنا أن نصنف عشاق الأدب حسب قابلية الانسان لقراءة الكتب ( الأدبية الفصيحة ) الشعرية و الروائيةو المسرحية و مدى قدرته على فهم اللغة و أصولها, لكن الأمر غير ذلك و يمكن أن يكون تصنيفنا هذا بعيدا كل البعد عن الحقيقة , فالأدب قبل كل شيئ ذوق و احساس و مشاعر , فهو فن قائم بذاته , و كلما بعد عن الاحساس أصبح بعيدا على هموم المواطن و مشاكله و بالتالي أصبح ضده..

و الأدب في نظري هو تعبير عن حالة أو مجموعة أحوال نفسية كانت أو اجتماعية أو حتى سياسية بصرف النظر عن لغة التعبير , لهذا هناك العديد من الأدباء ماتوا تحت أقدام اللغة , انهم أدباء السواد الأعظم من الشعب .. من خلال هذه الفكرة يتضح لنا جليا مدى الاهتمام بالأدب الشعبي , فهو غذاء الشعب بأكمله بمثقفيه و جهاله, انه طعام الجميع و الأدب الشعبي شأنه شأن الأدب الفصيح , الا أنه أكثر تأثيرا و قوة منه نظرا لتقبله من طرف الجماهير ..

دعني عزيزي القارئ أضرب لك أمثلة عن ذلك .. , لنبدأ بالروائي العربي نجيب محفوظ انه غني عن التعريف خاصة عند المثقفين و دارسي الأدب و فنونه , لكن رغم جهل الأميين له الا أنهم تعرفوا على نماذج من رواياته و تذوقوها و عايشوها من خلال أفلامه و السبب في ذلك راجع الى نقل لغة نجيب محفوظ ( الفصيحة ) الى لغة شعبية مفهومة لدى الجميع عن طريق السينما و لعل روايته القاهرة 30 أكبر دليل على ذلك , فلولا عرضها سنيمائيا و بلغة يفهما الجميع لما كتب للرواية هذا النجاح الضخم …

نفس الشئ يطبق على المسرح كأدب و فن , فعادة نجد الكتاب المختصين بهذا اللون الأدبي يؤلفون باللغة الفصيحة , لكن لا تظهر أفكارهم و شهرتهم الا عندما تعرض على الخشبة و بلغة الشعب , فهو الحكم الأول و الأخير عن هذه الأعمال و لولا لغة الشعب لما كان هناك توفيق الحكيم و محمود تيمور الا أسماء ميتة لمدلولات ميتة في عالم المسرح..

أما النقطة الأساسية و الحساسة في الأدب الشعبي تتمثل في الشعر الغنائي , بحيث نجد أن السواد الأعظم من الشعب يرتاح للأغنية الشعبية , لأنه قادر أن يفهمها و يعيش معها , و هذا فعلا ما جعل كبار شعرائنا ( الذين يكتبون بالفصحى ) غائبين عن الأغنية العربية , فهي غالبا ما تكون مرفوضة أو كما يقول المثل : ( فاقد الشئ لا يعطيه ) و أكبر دليل على ذلك هو عدم شيوع أسماء هؤلاء الأدباء عند أفراد مجتمعنا , فالمثقف يطرب لأم كلثوم عندما تغني ( الأطلال ) لأن صاحبها معروف لدى دارسي الأدب و هو ابراهيم ناجي , لكن لا أعتقد أن ذلك سيحدث عند الانسان محدود الثقافة , لكن تجده يطرب لزي الهوى و لأي دمعة حزن لا أو فاتت جنبنا للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ , و شعراء هذه الأغاني معروفون لديهم, و حتى و لو ان لم تكن الأسماء معروفة فعلى الأقل كلماتهم محفوظة لأنها عامية , فهنا يكمن النجاح , أقصد نجاح الشعر الملحون …هكذا يمكننا القول أن الأدب الشعبي له أثر كبير في رفع و دفع الحركة الأدبية نحو الأمام , كما عرفنا مدى تأثير الأدب الشعبي على السواد الأعظم من الشعب …و مهما كان من اختلاف حول هذه النقطة فسيبقى الأدب الشعبي هو النبراس الأساسي في تغذية ذوق الجماهير و تلبية رغباتها , و انما الاختلاف سيطرح في لغة الأدب , و عندما نقول لغة الأدب فاننا نقول لغة المسرح , لغة الغناء, لغة السنيما , وهذه العناصر الثلاثة هي الأدب الحقيقي , خاصة في وقتنا الحاضر , فعصر السرعة يتطلب منا ذلك , فالانسان بدل أن يضيع شهرا كاملا في قراءة رواية فمن الأحسن أن يشاهدها سنيمائيا أو تلفزيونيا ( تمثيليا ) في ساعتين و ينصرف و شأنه …

الحقيقة لهذا الموضوع مجال واسع و دراسات و مناقشات تحتد و تطول لا يمكن ختمها في لقاء واحد , و انما أردت من مقالي هذا أن أسلط بعض الأضواء الخافتة حول الأدب الشعبي لألح على ضرورة الاهتمام بالمسرح و الغناء و السنيما فبواسطتها يمكن أن نرفع من ذوق و ثقافة أغلبية الجماهير…

 


اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

آخر الأخبار