العاصمة

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا

0
كتبت/ريم ناصر
جحود بعض الأبناء وعقوقهم هذه الأيام فاق الحد , وهو ما
جعلني أحمل قلمي وأوراقي متجولة في رحلة داخل أفكار
ووجدان البعض من شباب وشابات هذا الجيل , شاحذه زناد
فكري متحدثة بحدة وبصوت عال مسموع لكل من حولي ,عن
جيل فاقد للاتصال بكل من سبقوه متخيلاً بأنه (لا قبله ولا بعده )
يختلف اختلاف كلي وجزئي عن الاجيال السالفة في المبادئ والأخلاق والأصول والانتماء و الإخلاص والوفاء .
فهو ينشد السرعة والمغالاة في كل شيء طبقاً لمتطلبات العصر , طموحاً لدرجة الانتهازية في بعض الاحيان , يريد
أن يستحوذ على كل شيء بدون أن يقدم أي شيء أو بذل مجهود يذكر .
كل بواعثه في الحياة أن تلبى مطالبه مهما كانت , وأي أن كانت مهما استعصى الأمر وأن الأب قادر على كل شيء ,
يأمر فيطاع ,استمرئ أن يأخذ دون أن يعطي غير مدركاً كم المعاناة والمشاق الذي يلاقيها رب الاسرة في توفير
المتطلبات الاسرية اليومية لكل فرد من افرادها , قال تعالى ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا
يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ
الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) فلا تنسوا أننا الشجرة التي أنتم فروعها , والماضي أساس الحاضر.
في زمن الحضارة والعولمة والأنترنت أمسى العالم (قرية ) صغيرة تستطيع أن تحصوا كل أخبارها في سويعات قليلة
شمالها وشرقها , جنوبها وغربها , ليصير عقلك خزانة اسرار العالم وأنت تجلس أمام حاسوبك الآلي .
ومن ضمن هذه الاخبار , لفت نظري ما حدث اول أمس بمحافظة دمياط واقعة سرقة (زي مدرسي) من احدى
معارض أهلا مدارس المنتشرة على مستوى الجمهورية , وبطلها أب لطفلة صغيرة ستلتحق هذا العام بالمدرسة في
عامها الاول بعد ساعات قليلة ,ولضيق ذات اليد وسوس له شيطانه بأن تمتد يده ويسرق الزي المدرسي لابنته حتى
لا تتسرب من التعليم , ويكون ذنبها في رقبته مستقبلاً , غير عابئ بما يمكن أن يحدث لو تم ضبطه , وقد حدث بالفعل
الإمساك به وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن .
والسؤال الحتمي هنا من الجاني في ملابسات هذه الواقعة ؟
هل هي الظروف الاقتصادية الراهنة التي تمر بها البلاد أم الزمن ؟
الزمن ولدغاته الذي يبدل السعادة أحزان , والضحكات آهات , وسبحان من يغير ولا يتغير من له الدوام , أتحدث عن
الذين هللوا لضبط هذا الاب بأنه سارق ومجرم , وهم السادة والأشراف .
نعم انه سرق , لكن لم يسرق شيئاً يباع أو يشترى او يتاجر به أو يأكل ويشرب من ثمنه اذا ابتاعه , او ذي فائدة إلا
في مكانه فقط أي أنه لم يسرق من أجل السرقة , أنه شيء لزوم الشيء نعم فهو ليس لص بالفطرة , ولو جمع كلاً
من المتجمهرين حوله بضعة جنيهات لسددوا ثمن الزي المدرسي للبائع وأنتهى الأمر بدلاً من البهدلة وقلة القيمة .
لقد خلق الله أناساً لقضاء حوائج الناس , وليس لفضحهم والتشهير بهم ( فارحموا عزيز قوماً ذل ) ونحن هنا لا
نستبيح الخطأ أو نبرره , فالخطأ خطأ لا يتجزأ ولا يبرر , لكن ما نلفت نظر عناية السادة المسئولين إليه هو التخفيف
عن عامة الشعب , وخاصة محدودي الدخل من الأسر المكافحة المناضلة من أجل شظف العيش , وأعانتهم بطريقة
أو بأخرى , فالحياة أصبحت قاسية لدرجة لا تحتمل أو تطاق
فلماذا لا يصدر السيد وزير التعليم – حفظه الله قراراً بأن كل مدرسة يكون لها زياً مدرسياً معين وتقوم الوزارة
مشكورة بعمل مناقصة لتوريد الزي المدرسي بالاتفاق مع أحد المصانع الذي ترسي عليه المناقصة , ويقوم بتوريد
الزي المدرسي لكل مدرسة على حدى بحيث تقوم المدرسة المعنية بتسليم الزي المدرسي لتلاميذها وطلابها
بالتقسيط على مدار العام الدراسي مضافاً لإيصال المصروفات المدرسية للفئات الغير قادرة وعن طريق عمل
الأبحاث الاجتماعية بواسطة الاخصائي الاجتماعي لكل مدرسة ومعافاة من يستحق منهم
طالما اننا اصبحنا في زمن كل شيء فيه يباع ويشترى حتى ( العلم) ونسينا وتناسينا كلمات من نور محفورة في
الوجدان بحروف من ذهب , الا وهي كلمات المغفور له رحمة الله عليه وزير المعارف الأسبق – عميد الأدب العربي –
الدكتور/طه حسين – أول من نادى بمجانية التعليم , وجعله كالماء والهواء لكل طالب علم .
فمن يؤم الناس فليخفف , وأنتم أولي الأمر والنهي والناس يتبعونكم في كل صغيرة وكبيرة , رفقاً بأحوال العباد يامن
تمتلكوا زمام الأمور بالبلاد .
خلاصة القول ودلالته في الواقعة السالف ذكرها بعالية , هناك العشرات بل والمئات من هذه الوقائع تتم وبصفة
يومية في انحاء الجمهورية , ومنها ما يتم ضبطه في الوقائع التي سردناها , والكثير منها لا يتم ضبطه بستر الله على
عباده واعطائهم فرصة أخرى , قال تعالى :- وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا
أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ .
فالمال رزق , والأولاد رزق , والصحة رزق , والسعادة وهدوء البال رزق , وما أعنيه هنا بمنظور صحفي أعلامي
اجتماعي بحت مختلف عن وجهة نظر بعض زملائي في بلاط صاحبة الجلالة , إلا وهو واقع الامر , أن رب الأسرة أي
أن كان (أب) أو (أم) عندهم من الشجاعة والعزيمة و الإصرار الدافع أن يكونا سجينان يوماً ما في سبيل تعليم أبنائهما
وسعادتهم وأن يكونوا أعظم منهما قيمة وقدر , اذا لزم الأمر ولنا في الغارمين و الغارمات الأسوة والمثل.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه , هل بعض الأبناء من هذا الجيل عندهم نفس الاستعداد أن يكونوا برره وخير سند
ومعين لأهلهم وذويهم , أم سيرهقونهم طغياناً وكفراً ,كما نلاحظ في واقعنا اليومي لكثيراً من القضايا والاحداث ؟
والإجابة متروكة لك عزيزي القارئ .

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading