العاصمة

هل السفر عبر الزمن ممكن؟

0

إيمان العادلى
قبل حوالى 350 عاماً وفي معرض شرحه لقواعد الفيزياء العامة كتب العالم الإنجليزي سير أسحق نيوتن عن الزمن
يقول: “لست بحاجة لأن أشرح ماهية الزمن لأنه من المطلقات المتعارف عليها”. لكن الحقيقة أن تصور نيوتن
كان بعيداً عن الصواب على الأقل من وجهة نظر الفيزياء الحديثة
إن تصور الزمن كقطار يتحرك في خط مستقيم دائماً وبسرعة ثابتة هو مجاف للرؤية التي شرحها الفيزيائي
ألبرت آينشتاين في نظريتيه النسبيتين الخاصة (1905) ثم العامة (1915) قبل أن تبرهنها التجربة العملية ما
تقوله النسبية ببساطة هو أن الزمن ليس قطاراً لا يعود أبداً للخلف بل هو متغير يعتمد على تفاعل الكائن الذي
يرصده مع بيئته الخارجية وسرعة حركته في المكان واتجاهها
هل السفر في الزمن ممكن؟
وإذا كان الزمن “نسبياً” غير مطلق بالفعل فهل يعني هذا
أننا إنْ أوجدنا وسيلة لكي يُبطىء الزمن حركته بالنسبة لشخص ما أكثر من الآخرين فسوف ينتقل هذا الشخص
إلى “المستقبل” بأسرع مما نفعل نحن؟ هل هناك أصلاً ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن التحرك عبر الزمن من الممكنات؟
أم أن هذه الفكرة سوف تظل حبيسة أفلام الخيال العلمي التي ربما أساءت إليها أكثر مما نفعتها وجعلت الكثيرين يستخفون بها؟
يرى العلماء اليوم بفضل نظريات آينشتاين أن الزمن هو جزء من نسيج الكون ملتحم بالمكان ولا يمكن فصله عنه،
وأن الأبعاد الأربعة (أبعاد المكان الثلاثة أي الطول والعرض والارتفاع إضافة إلى بعد الزمن) تكوّن معاً عالمنا
الذي نعرفه. كما أن البعد الرابع (الزمن) لا ينعدم كما نتخيل بمجرد مرورنا به، أي أن اللحظات التي مررنا بها لم
تصبح مجرد “ذكريات” منطبعة في أذهاننا ولم ينقضِ وجودها الواقعي بل هي على العكس تماماً لا تزال تحتفظ
بوجودها الفيزيائي الواقعي وكل ما في الأمر أن عقلنا لم يعد يدركها لأنه غير معد لذلك
يمكننا تصور الأمر كشريط سينمائي وكما لو أن كل دقيقة في هذا الشريط تحتوي على 24 لقطة من الفيلم فنعرف
أننا نشاهد لقطات متتابعة، ولكن لا يمكننا أن نرى في نفس اللحظة أكثر من لقطة واحدة فقط فهل يعني هذا
أن باقي اللقطات غير موجودة؟ بالطبع لا
الآن تخيل أن كل لقطة في هذا الفيلم تساوي ما نسميه
نحن “العالم الآن” وأننا بدلاً من أن نكون مجرد متفرجين أصبحنا أبطال الفيلم نعيش ونتحرك بداخله في أبعاده
المكانية الثلاثة لن نستطيع أن ندرك حسياً سوى اللقطة (اللحظة) التي تمر بنا فقط، وهذا بالضبط ما يحدث لنا
في الواقع كل ما في الأمر أننا عندما نكون متفرجين نمتلك أداة . للسيطرة على شريط السينما وتتوفر لدينا
وسيلة للعودة إلى اللقطة الأولى أو الذهاب إلى اللقطة الأخيرة لكننا لم نجد بعد الوسيلة الناجحة للعودة للماضي
أو الذهاب للمستقبل في الواقع. أما الوجود العيني الواقعي للماضي والمستقبل والحاضر معاً، فهو من ثوابت
الفيزياء الحديثة اليوم وبالتالي فإن السفر عبر الزمن أصبح أمراً منطقياً من الناحية النظرية على الأقل
آينشتاين و طريقتان للسفر عبر الزمن
المدهش أن نظريات آينشتاين تعطينا طريقتين لا طريقة واحدة للسفر عبر الزمن وهما:
1ـ السفر بسرعة كبيرة في المكان:
ربما سمع الكثيرون عن المثال الشهير الذي يضرب عن
توأمين ركب أحدهما صاروخاً يسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء فشاخ جسده بسرعة أقل كثيراً مما حصل
مع توأمه الذي بقي على كوكب الأرض فإذا كان قد بقي في الصاروخ لخمسين عاماً بحسابنا الأرضي فسوف يكون
هو قد بقي لعام واحد في الصاروخ وسوف تخبره كل أدوات قياس الوقت لديه بهذا أيضاً، لأن هذا هو ما حدث
حقيقة ويعتبر البعض هذا سفراً في الزمن بالنسبة للشخص على متن الصاروخ لأنه بقي عاماً واحداً ثم عاد
إلى نقطة مستقبل بالنسبة لنا لكن المعضلة أن هذا المثال نظري فقط، لأن الوصول بجسم له كتلة كبيرة مثل
صاروخ إلى سرعة الضوء يحتاج من الطاقة أكثر مما هو موجود على كوكبنا بأسره أما الحقيقي في هذا الأمر فهو
أن رواد الفضاء الذين يسافرون في رحلات صارت معتادة يعودون فعلياً في زمننا المستقبلي بفارق أجزاء من الثانية
2ـ الجاذبية:
تماماً مثل السرعة تؤدي الجاذبية إلى تباطؤ الزمن ولكن
الجاذبية في نموذج الفيزياء الكلاسيكية هي قوة صادرة من الأجسام بعضها تجاه بعض وقد أعاد آينشتاين أيضاً
صياغة هذا المفهوم ليلغي هذه الصورة ويقول أن الجاذبية ليست “قوة” بالمعنى الحرفي للكلمة وأن مصدرها
ليس كامناً في الكتلة لكنها مجرد تشوه في النسيج الكوني (المكون من الأبعاد الأربعة) يؤدي إلى “سقوط” الأجسام
الصغيرة في تلك التشوهات التي تحدثها الأجسام الأكبر
ومثلما يمكن للجاذبية أن تؤدي إلى تباطؤ الزمن فإن
الانفلات من عقال الجاذبية يمكن أن يؤدي إلى تسارع الزمن
من العجيب أننا نستخدم هذه الظواهر الطبيعية يومياً في تطبيقاتنا التكنولوجية دون أن نعرف ونبقى نتساءل حول
إمكانها من عدمه بينما هي بين أيدينا تعمل بالفعل فتطبيق جي بي إس الذي يحتويه أي هاتف ذكي اليوم
يعتمد في تحديد موقع الهاتف على “الزمن” الذي تستغرقه الإشارة الصادرة من الهاتف للوصول إلى القمر الصناعي
ولما كانت الأقمار الصناعية تدور بعيداً عن مجال الجاذبية الأرضية فإن تأثير هذه الجاذبية عليها أقل بكثير من
تأثيرها على الهاتف وبالتالي لا بد أن الساعة الموجودة في كمبيوتر القمر الصناعي تعمل بسرعة أكبر من نظيرتها في
الهاتف ولا بد أن هذه الفروق تسبب خللاً في قياس الزمن الذي تستغرقه الإشارة للوصول من أحدهما إلى الآخر
وهذا صحيح تماماً غير أن العلماء الذين ابتكروا تلك النظم المعقدة قد تنبهوا لذلك إن الكمبيوتر الموجود على
القمر الصناعي يقوم بتصحيح الوقت المسجل عليه أوتوماتيكياً كل يوم ليواكب الزمن الأرضي ولولا ذلك لما
تمكن من تحديد المكان بشكل دقيق
وسائل أخرى للسفر عبر الزمن
غير أن بُعد المسافة بيننا وبين أقرب هذه الثقوب والنسبة
التي يتباطأ بها الزمن أيضاً يقللان من فعالية الفكرة بقدر كبير في الحاضر والمستقبل القريب على الأقل لكن علماء
الفيزياء يتمسكون بأمل أخير لإمكانية إيجاد طريقة “عملية” ليسافر الإنسان عبر الزمن وهو ما يعرف بـ”ثقب
الدودة” Wormhole وهي ظاهرة تعني “اختراق” نسيج المكان والزمن (Space-Time أو ما اصطلح على تسميته
بالعربية الزمكان)
وبناء على هذه الظاهرة يقدم عالم الكونيات الإنجليزي الشهير ستيفن هوكينغ وسيلة أخرى للسفر عبر الزمن وهي
أستغلال ظاهرة الثقوب السوداء (مساحة في الفضاء الخارجي تنشأ عن انفجار نجمي ضخم وتتمتع بجاذبية
فائقة بحيث يسقط فيها كل جسم أو إشعاع يقترب منها وينعدم حجمه ليساوي الصفر تقريباً) يقول هوكينغ إن
إرسال سفينة فضاء في المستقبل إلى أحد أقرب تلك الثقوب إلينا والدوران حوله يؤدي إلى تباطؤ الزمن للرواد
على متنها نسبة إلى سكان الأرض
قبل سنوات سخر هوكينغ من إمكانية السفر إلى الماضي
وقال إنه لن يحدث أبداً وإلا لوجدنا بيننا اليوم مسافرين قادمين من المستقبل لكن العديد من العلماء يرون غير ذلك
وتمكنوا بالفعل من إيجاد حل للتعارضات المنطقية التي قد تنتج عن الانتقال لحقبة زمنية في الماضي أما ما
يتفقون عليه جميعاً فهو أننا ربما نشهد في مستقبل غير بعيد دعاية في إحدى الصحف لرحلة غير معتادة ينظمها
بعض البشر إلى المستقبل

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading