العاصمة

مين السبب .. أطفالنا وأولادنا صامتين ولا يحكون

0

كتبت : أسماء فكري السعيد علي

موضوعي اليوم سأكتبه نتيجة خبراتي التي إكتسبتها من خلال تجارب شخصية

عشت مع أطرافها حكايتهم لحظة بلحظة وفهمت منها أدق التفاصيل وخلصت منها

بما سأسرده عليكم في كلماتي القليلة القادمة ..

أبناؤنا .. صبيان كانوا أو فتيات هم زهرة أعمارنا والصورة المنعكسة لنا فمن خلالهم

يتضح للجميع مدي صلاحهم وحسن تربيتهم وهل هم سويين نفسيا للمعاملة

الطيية التي لاقوها من الأباء أم هناك بعض الإنعكاسات النفسية السلبية المتولدة من

سلوك معين خاطئ كان يصدر عفويا وبدون وعي من الأم أو الأب أو كلاهما معا

..
أعلم تمام العلم أن مشغولات الحياة والضغوط المعيشية التي يواجهها كلا

الأبوين جعلت لديهما من القدرة ما ليس كافيا لتربية طفل واحد فما بالكم بتربية

طفلين أو ثلاثة .. وأعلم أيضا أن كل أم أو أب عندما سأواجهه بالمشكلة التي أنا

بصددها موضحة أنهم هم من تسببوا بها سأواجه أحد الأمرين .. إما تعنيف شديد و

من الكلمات التي لا طاقة للطفل بها مثل ( هو إحنا حرمناه من حاجة .. كل اللي

بيطلبه بيلاقيه .. ده بيتدلع ………….) أو سأجد رد فعل أخر مثلا ( إحنا اللي فينا

مكفينا كفاية اننا قادرين نشتغل علشان نأكله ونشربه هو وإخواته ) وكأن ما

يفعلوه مجرد جميل في أبناؤهم وليس واجبا عليهم بما أنهم راعي ومسئولون

عن رعيتهم الذين هم أبناؤهم .. لتكون النتيجة تولد أطفال يخرجون للمجتمع

محملين بالمشكلات النفسية والتي من أحدها مشكلة الطفل الكتوم الصامت

الذي لا يحكي ولا يشكي ألمه .. عندما تنظر له من الخارج يهيأ لك أنه شخص

بارد المشاعر لا يحس ولكن الحقيقة هو بركان متوهج داخليا لو خرجت أحد

ألسنته لأحرقت الجميع ..
مرة من ذات المرات عندما كلفت من

الدكتور المشرف علي دراستي بالكلية كان الموضوع الخاص بالبحث هو المشكلات

النفسية للأطفال وخاصة المراهقين والبحث عن الأسباب حول إمتدادها

لباقي المراحل العمرية لهم وجعلها شخصية ملاصقة لشخصيتهم الحقيقية

لتكون هي الغالبة والشخصية الأصلية متنحية غير موجودة تكاد تكون منعدمة .

. فواجهت الكثير والكثير من المشكلات المتنوعة ما بين عدوانية وعنف

.. كره لمن حوله .. عصبية زائدة وعدم المقدرة علي السيطرة .. ولكنها كانت

حالات فردية لا تتخطي في العدد لكل مشكلة أصابع اليد الواحدة إلا مشكلة

واحدة وجدتها عامل مشترك بين الجميع أيا كان سلوكه النفسي أو درجة تفاعله

مع من حوله .. وهي أن جميع هؤلاء الأطفال والمراهقين منهم بالذات

كتومين جدا وإنطوائيون ليست خصوصية بحالهم ولكن لعدم رغبتهم في الكلام ولا

الحديث مع أحد وعندما تحدثت معهم كانت ردودهم لي كالصاعقة التي أدمت قلبي ..
فأنا أتذكر طفل صغير كان لديه مشكلة خطيرة لمن هو في سنه فعمره آنذاك كان

حوالي ١٣ ربيعا وكان يعاني من التبول اللاإرادي وهي كارثة تؤثر سلبا عليه

للعديد من الأسباب المتعلقة به أو بمن حوله من أهل وأقارب وأصدقاء ..

عندما اقتربت من الطفل وبدأت في الحديث معه وجدته خائفا هلعا من

الكلام .. اقتربت منه وحاولت كر طرف خيط الحديث معه ليتكلم وجدته

ينظر لي ويصمت ظللت أحكي وهو ينظر ويصمت لينفجر فجأة بالبكاء ويقول

( أنا مش هتكلم معاكي علشان مش تشتميني أو تضربيني زي بابا وماما ما

بيعملوا .. مش بيسمعوني خالص وعلطول أنا غلطان ويضربوني يضربوني حتي لما

اكون متضايق وأجي أكلمهم يزعقوا ليا وماما تقوللي مش فاضية وتشتمني او

مش تصدقني وتقوللي انتا اصلا قليل الأدب ومحدش يطيقك ولو رحت لبابا

علطول يضربني أو يشتمني ومش يسمع ) وإستمر في البكاء بهيستيريا جعلت قلبي ينفطر عليه ..
ظللت أنظر للطفل وهو يبكي بنحيب

لأخلص بنتيجة أن مشكلته الأساسية وهي التبول اللا إرادي ما هي إلا نتاج كارثة

نفسية أكبر وهي الكتمان والإحساس بالإضطهاد وعدم الإهتمام ..
هذه حالة ..

الحالة الثانية كانت لفتاة صاحبة ال ١٢ عاما طفلة جميلة ولكن لا تحب التعامل

مع أحد دائما ما تجلس في غرفتها وعندما تخاطبها لا ترد تظل تنظر لك ولا تجيب

.. ولو ندهت عليها عاليا لا تبالي ولا تأتي للإجابة عليك
دائما ما تجلس شاردة صامتة ليس لها

أصحاب بالمدرسة بالرغم من تفوقها الدراسي .. لا تتفاعل مع المعلمة بالمدرسة

مباشرة فجميع الإختبارات الشفهية ترسب فيها رسوب رهيب أما التحريرية تأتي

بالعلامات النهائية مما جعل جميع معلميها يتعجبون من حالها .. لا تلعب كما يلعب

من في سنها لا تهتم بحالها ولا بهندامها ولا تبكي أبدا مهما تألمت أو مهما حدث معها

..
تستفزني حالها واعترف لكم أنني في البداية قد فسرت حالتها علي انها نوع

من الإنطواء الأقرب للتوحد ولكن سرعان ما تراجعت في تشخيصي لأنني لاحظت

مدي تفوقها واعتمادها علي حالها في هذا التفوق فهي ترفض الدروس الخصوصية

لرفضها التعامل مع الأخرين .. غير أنها وهي جالسة أمامي وجدتها تسألني

فجأة ( هما أكيد بيقولوا عليا مجنونة وباردة .. صح ) حديثها قطع تركيزي

لألتفت لها وأسألها ( مين دول اللي بيقولوا ) ردت بسرعة وقالتلي ( اللي قاعدين برة

دول ) قلتلها ( قصدك بابا وماما ) فنظرت للأرض ولم تجب ورفضت أن تعترف بهم

أبا أو أما لها .. ومن هنا بدأ الحوار ( طيب تقدري تقوليلي هما اللي برة دول اللي مزعلينك ولا حد تاني )

( لأ هما ودائما يهزقوني قدام الناس وكل ما أحب حد وأبقي عاوزة أكلمه وأحكي

معاه يبعدوني عنه ويشتموني وعلطول يقولولي يا باردة ويضربوني )

( طيب انتي كنتي بتتكلمي معاهم .

. ( أقصد الأب والأم ) .. عاوزة تقوليلهم إيه وعملوا معاكي كده ) .. وبدأت تحكي ع

مواقف قد نراها نحن مواقف أطفال ولكن مع الأسف ردود أفعالنا بيكون لها تأثير

عكسي جدا علي ولادنا .. زي مثلا أنه دائما مامتها كانت بتضربها علشان ولاد خالتها

اللي هما في الأساس كانوا بيتنمروا عليها بالضرب والمعاملة السيئة وعندما كانت

تشتكي للأم لا تسمع وتضربها إرضاءا لأختها .. أما الأب والذي كان دائما ينصر

عليها أخوها الأصغر منها بعامين بل يضربها دائما بسببه .. وفي المدرسة كان

الأطفال زميلاتها بالمدرسة يسخرون منها وعندما تذهب للأم لا تبالي بكلامها ولا

تسمعها بل تعنفها وتقول ( أكيد انتي السبب .. ما أنا عارفاكي مش بتسمعي

الكلام .. انتي اللي مستفزة .. ) وغيرها من العبارات المؤلمة التي تميت الروح والنفس

سأكتفي بهاتين الحالتين بالرغم من تعددهم لأنني لو تحدثت لن نخلص من حديثنا ..

ولكن خلاصة القول .. أنا أبناؤنا الصامتون قليلي التحدث أو منعدمي الكلام والتفاعل

مع الأم والأب بصفة خاصة ومع الأخرين بصفة عامة ما هم إلا نتاجا لعدم الإنصات

لهم أو لمعرفة معاناتهم بل سارعنا لتعنيفهم ولم نبالي هل كلامنا هذا يؤذيهم .. يؤلمهم .. يدمرهم نفسيا ..

إذا مالحل .. الحل الوحيد هو التقارب من جديد والمحاولة الدؤبة علي بناء حائط

الثقة بين الطفل والأبوين .. لابد عليكم أنتم كأم أو أب أن تجعلوا أبناؤكم

يتحدثون .. وأنتم تنصتون وتسمعون كلامهم للنهاية حتي لو أخطأوا تمالكوا

أعصابكم جيدا ولا تهاجمون .. وعندما ينتهي الطفل من كلامه حاوره بألطف

الكلمات التي تثني عليه وتزيد من ثقته بك قبل تقته بحاله .. يجب أن نكون أصدقاء

لأولادنا نكافئهم عندما ينجحون ونثني علي نجاحهم ونعاتب عندما يخطئون ولكن كما يعاتب الحبيب حبيبه ..

وتذكروا أن أبناؤنا هم صورتنا مستقبلا .. ومن سيكونوا الولد الصالح الذي يدعوا لك

فاجعله يتذكرك ويدعوا لك لا ينساك ولا يذكرك

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading