يقول رب العزه سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ فكل
عمل يقدمه العبد فى حياته سيجده امام الله ولقد من الله علينا فى هذه الحياه بأيام فيها خير وبركه ألاَ وإنَّ الدنيا قد ولَّت مُدبِرة، والآخِرة قد ارتَحلَتْ مُقبِلة فكونوا من أبناء
الآخِرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإنَّ اليوم عملٌ ولا حساب، وغَدًا حسابٌ ولا عمل، فاستَبِقوا الخيرات، وأقبِلُوا على جليل الطاعات وعظيم القربات، وسابِقُوا إلى المغفِرة
والجنَّات وتنافَسوا في الفوز بأعلى الدرجات قبل المَمات؛ فعن النبي – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: (إذا مات ابنُ آدم فقد انقَطَع عملُه إلاَّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم
فالعمل أيُّها المسلمون هو الصاحب في السفر إلى الآخِرة، والجليس في القبر دار الغربة، والشافع يوم الهول والكربة، فاعمَلُوا صالحًا تَجِدُوه، وأحسِنُوه تحمدوه، واتَّقوا
ربَّكم واحذَرُوه، فإنَّكم كادِحُون إليه كدحًا فمُلاقُوه، فلا تغرَّنَّكم المهلة، فما أسرع النقلة! فكأنَّكم بملائكة الموت وقد حضَرَتْ، وبصحف الملائكة وقد طُوِيَتْ، وبالروح وقد
غرغرَتْ، فيا لهول المفاجأة ويا لعظم المصيبة، فكم من محسنٍ يَوَدُّ الزِّيادة من الإحسان، وكم من مُسِيءٍ يودُّ لو أُمهِل ليصلح عمله ويتوب إلى ربِّه من الفسوق والعصيان.أيها المسلمون:
اشكُرُوا نِعَمَ الله تُصبِحوا من المحبوبين لديه، واغتَنِموا فُرَص الحياة فيما يقرِّبكم إليه، وتذكَّروا حالَكم حين الوقوف بين يدَيْه، واعلَمُوا أنَّ يوم الجمعة من نِعَمِ الله العظيمة
ومِنَحِه الكريمة، التي اختَصَّ الله بها هذه الأمَّة المحمديَّة من بين الأُمَم، ومنَحَها مَزاياه وفضائله؛ لما له – سبحانه – من جليل الحِكَم، فجعَلَه – تعالى – عِيدًا لهذه الأمَّة
المرحومة في كلِّ أسبوع، يَتنافَس فيها العِباد بأنواع العمل المشروع، ويَفرَحون بما ادَّخَر الله لهم فيه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم، فكم فيه من
نفيس القربات، وكم فيه من أسباب تكفير السيِّئات وزيادة الحسنات، وكم فيه من مُوجِبات رفعة الدرجات وإجابة الدعوات؛ ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ وصَحَّ
في الحديث عن نبيِّكم محمد – صلَّى الله عليْه وسلَّم – أنَّه قال: (أضَلَّ الله عن الجمعة مَن كان قبلَنا؛ فكان لليهود يوم السبت، وكان للنَّصارَى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا
ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبعٌ لنا يومَ القيامة؛ نحن الآخِرون من أهل الدنيا، الأوَّلون يوم القيامة، المَقضِيُّ لهم قبلَ الخلائق وأوَّل مَن يدخُل الجنة).
ولقد نبَّه – صلَّى الله عليْه وسلَّم – على شيءٍ ممَّا جَرَى في هذا اليوم العظيم من الحوادث المهمَّة، وما اختصَّه الله به من الفضائل لهذه الأمَّة؛ ففي “صحيح مسلم” عن
أبي هريرة – رضِي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: (خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه أُدخِل الجنة، وفيه أُخرِج منها)،
وفي روايةٍ أخرى: (لا تقومُ الساعة إلاَّ يوم الجمعة).
وفيه أيضًا عنه – رضِي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم -: (مَن اغتَسَل يومَ الجمعة واستاك ومَسَّ من طيب – إنْ كان عنده – ولبس من أحسن ثيابه، ثم
خرَج حتى يأتي المسجد فلم يَتَخطَّ رِقاب الناس حتى ركَع ما شاء الله أنْ يركع، ثم أنصَتَ إذا خرَج الإمام فلم يتكلَّم حتى يفرغ من صلاته – كانت كفَّارة لما بينها وبين الجمعة
التي قبلها) وفى رواية: ((مَن اغتَسَل ثم أتى الجمعة فصلَّى ما قُدِّر له، ثم أنصَتَ حتى يفرغ من خطبته، ثم يُصلِّي معه – غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة
أيَّام، ومَن مَسَّ الحَصَى فقد لغا).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة – رضِي الله عنه – أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليْه وسلَّم – ذكَر يوم الجمعة فقال: (فيه ساعةٌ لا يُوافِقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلِّي يسأل الله
– تعالى – شيئًا إلا أعطاه إيَّاه) وأشار بيده يُقلِّلها.
ورُوِي عنه – صلَّى الله عليْه وسلَّم – أنَّه قال: (سيِّد الأيَّام يوم الجمعة، وأعظَمُها عند الله – تعالى – وأعظَمُ عند الله – عزَّ وجلَّ – من يوم الفطر ويوم الأضحى).فاللهم اهدنا الى