رسائل إلى صديقتي المكتئبة 2
كتبت سلمى شعبان
الرسالة الثانية
الدمام-دهب
عزيزتي روز،
تحياتي لك ولكل جزء في مصر أما بعد،
“الملل يقتل كل شيء” سأبدأ من حيث هذه الجملة بالتحديد. بعد السلام والتحية والشوق الكبير لكي ولمصر ولكل حاجة فيها ريحة مصر. فقد أوشكت على أن أكون أنا والملل أخوة وأعتدت اللهو داخل منزلي بالساعات مع أطفالي وبدونهم. هم الآن مستغرقين في نوم عميق من حسن حظي، فشرعت في الرد على رسالتك. أقول لك يا صديقتي أنني على أهبة الاستعداد الآن لحزم أمتعتي للسفر ولقاء كل الأحبة الذين تركتهم من خلفي ثلاث سنوات كاملة. ويتملكني خوف غريب مما سأراهم عليه. فأنا متيقنة وعلى تمام الثقة أن كلهم قد تغيروا، ولي تجربة مريرة مع الغياب.
فأمي ذات نظرية شهيرة “أن المتغرب دا كفاية عليه غربته ومنقولوش على الوحش اللي بيحصلنا” نعم! هذا ما حدث لي عندما كنت هنا في زيارتي قبل الأخيرة حيث أخفى الجميع على خبر وفاة والدي. تخيلي! كنت أعلم أنه مريض! كنت على يقين أنه السرطان اللعين، لكنهم لم يخبروني بذلك أبدًا. خايفين عليا من الصدمة! لكنني يا صديقتي لا أنصدم أبدًا بأخبار الموت! لا تترقق الدموع على وجنتي إلا بعد مدة، عندما أتصارع مع الشوق وأحاسيس الفقد. لكنني لا أنصدم البتة. عرفت بخبر وفاة والدي بعد أيام بسيطة من وفاته ومن قبيل الصدفة من إحدى بنات عماتي في استراليا والتي أرسلت لي عبر الفيس بوك لتعزيني في وفاته وأنا أصر على كلامي أن والدي مريض فقط. وبكل ثقة أغلقت حسابي دون أن أتصل بأهلي لأتأكد. لتكون المفاجأة وأنا أحكي لزوجي عن تلك الرسالة الغريبة التي تلقيتها من ابنة عمتي ليؤكد لي ما قالته. هكذا وبكل بساطة. هل لك أن تتخيلي أنني لم أصدقه!! ولم أنصدم. فهاتفت أخي لأسئله وهو يردد “بابا نايم وأنا في الصلاة ولما أرجع هكلمك.” وأردد ” لا مش مهم الصلاة روح دلوقتي وصحيه يكلمني” إلى أن أنفجر باكيًا ليؤكد الخبر! ومنذ تلك اللحظة بات معي إحساس يلازمني أن كل عودة على أن أتحضر للمفاجأة غير السعيدة التي ستكون بانتظاري. من توفي؟ من مرض؟ من رحل؟ من هاجمته الظروف القاسية؟ نعم، كل مرة يا صديقتي. حتى عند الرحيل والعودة للسعودية أسئل نفسي ” ياترى المرة دي هكون ودعت مين ومش هشوفه تاني!” لتصبح مرارة الفقد تلازمني.
الملل في حياتي جعلني أفكر كثيرًا وأصل أن علاجي يا روز في أن أنجز شيئًا ما في حياتي. إنجاز يحمل اسمي وأفكاري وطموحي الشخصي جدًا. لم أحدده بعد ولكنني وضعت الخطوط العريضة، وأهمها أنني قررت اختيار السعادة التي يرتضيها قلبي، لنفسي وعائلتي والكتابة. أفكر جليًا في إعادة الانضمام للجامعة لدراسة دبلوم ما كنوع من الإضافة فلا أخفيكي أنني أشعر أن الصدأ بدأ يعلو أفكاري خلال الثلاث سنوات الماضية التي مرت في البيت والأولاد والحمل والرضاعة- ياختاااااي!
حدثتيني عن بحثك عن الأمان، وأقول لك بكل صراحة، نحن لا نبحث عن الأمان: نحن نصنعه لأنفسنا! لا يوجد على وجه هذه البسيطة إنسان أو مكان أو حتى حائط يستطيع أن يهب لك الأمان يا عزيزتي. الأمان فكرة تسيطر على عقولنا. أماننا في الطريقة التي نتناول بها الأمور! في رؤيتنا لما يحدث لنا وتناولنا لما نريد أن نكون عليه. قد تشعرين بالراحة في مكان عن أخر، قد ترتاحين مع أشخاص عن أشخاص، ولكنهم لن يوفرون لك الأمان الدائم. الأمان الدائم تصحبيه أنتي وأنتي فقط مع أفكارك، وعالمك، والحدود التي تضعيها لكل من يحاول أن يعكر صفو أمانك وراحة بالك.
أما عن كل من يرى أنك فشلت في أشياء عدة أقول لك عنهم، دعيهم –يهوهو- صديقتي أنا لا أخفيكي أنني أغبطك على ما أنتي فيه. أنت شعلة من النجاح والتمرد! نجاحك مستفز للأخرين. وأنا هنا لا أقول النجاح في البقاء في وظيفة والحصول على راتب. النجاح الحقيقي هو ما تقومين به الآن. الاستقلال والتمرد وإعادة بلورة أفكارك وطموحاتك وأحلامك بنفسك وثقتك بالله وبنفسك قبل أي شيء أنك قادرة. هذا أكبر نجاح. فلتقولي لي بالله كم من هؤلاء الذين يرددون على مسامعك كلمة الفشل راضون عن حياتهم ووظائفهم ورواتبهم وأفكارهم؟! لا تستمعي لهم، يكفيكي عزيزتي إيمانك بنفسك وهو الأساس! ففي هذه الدنيا لن يرضى عنك الناس أبدًا.
قد تكوني مررت بتجارب أكبر مني بكثير، بل أنا واثقة أنك فعلتي: ولكن فلتسمعي مني صديقتي أنت حققت قدرًا كبيرًا من النجاح بكل ما مررت به من تجارب فاشلة.
أما عن اللهو أحدثك أنني حاليًا موهومة بقناة dmc هل تشاهديها؟ أطالعها معظم وقتي عندما يكون هناك وقت أصلاً. قناة مميزة جدًا أنصحك بمتابعتها إن كنت من هواة التلفاز مثلي.
صديقتي انتظر لقائنا عبر الكلمات من جديد. لا تنسيني من أحاديثك الشيقة اللذيذة. واستعدي للقاء الكبير لقاء السلاحف العملاقة وصنية التشيز كيك من أيديا وحياة عنايا.