العاصمة

خطبة الجمعة القادمة وحدة الأمة سبب لقوتها

0

 

كتب اسلام محمد

إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلن يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئاً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلَّم تسليماً كثيراً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة آل عمران(102). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} سورة النساء(1). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب(70)-(71).
أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلَّى الله عليه وعلى آلة وصحبه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: إن واقع أمتنا الإسلامية اليوم واقعاً يندى له الجبين، فالتفرق والتشرذم في صفوف رجالها ونساءها، وحكامها ومحك وميها، وعلماءها وجها لها، فالأمة متفرقة بك لما تعنيه كلمة تفرق من معنى، والله قد حذرنا من ذلك كله، فقال تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} سورة الأنعام(153). وذلك فقد كانت الوحدة من الأوليات التي جاءت الرسل بالدعوة إليها بعد الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ الأوثان والأنداد، بل إن توحيد الأمة مطلب شرعي، وفريضة ثابتة، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} آل عمران(103). وقال تعالى أيضاً: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} سورة الأنفال(46). وقال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} سورة آل عمران(107). وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} سورة الأنعام(159). وقال تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} سورة الروم (31)(32). وقد بين سبحانه في كتابه أننا أمة واحدة، ربها واحد، ونبيها واحد، وقبلتها واحدة، وكتابها واحد، فقال -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} سورة الأنبياء(92). وأوجدنا لغاية نبيلة، وهدف واحد؛ وهو عبادته وحده لا شريك له، فقال- تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} سورة الذاريات(57)(56). وقد امتن الله تعالى على الصحابة فوحد صفهم وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة الأنفال(63).

أيها المؤمنون: إن أهم خصائص هذه الأمة أنها أمة واحدة، قال الله -عز وجل-: (وَإِنَّ هَـاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَتَّقُونِ) [المؤمنون:51].
لقد تنوعت أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة، فتارة تأمر بالوحدة أمرًا صريحًا كما في قول الله -عز وجل-: (وَعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذلِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءايَـاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران:103].
قال القرطبي -رحمه الله-: “فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة”
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ”.
وتارة تأمر بتحصيل أمور لا يمكن أن تحصل إلا بالوحدة؛ قال الله -عز وجل-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات:10]، وقال -جل وعلا-:(فَتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ)[الأنفال:1].
وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “لا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا -عِبَادَ اللَّهِ- إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ”. رواه الإمام أحمد، وأصله في صحيح مسلم عن أبي هريرة.

فهذه الأدلة تأمر المسلمين بالأخذ بكل ما يزيد المحبة بينهم، والنهي عن كل ما يولد البغضاء في صفوفهم، وتأمرهم صراحة بأن يكونوا إخوة، ولا يمكن للمسلمين أن يكونوا إخوة إلا إذا كانوا متحدين، فإن الأخوة ضد الفرقة والاختلاف
ومن أساليب الإسلام انه ينهى كل النهي الصريح عن الافتراق والاختلاف الذي هو ضد الوحدة والاجتماع.
قال الله -عز وجل-: (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ) [الأنفال:45].
قال الطبري: “يقول -تعالى ذكره- للمؤمنين به: أطيعوا -أيها المؤمنون- ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيء، ولا تنازعوا فتفشلوا، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، يقول: فتضعفوا وتجبنوا وتذهب ريحكم”.
أخرج الطبري عن ابن عباس في قول الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيّنَـاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105]، قال: في هذا ونحوه من القرآن أمرَ الله -جل ثناؤه- المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
عن زَكَرِيَّا بْنَ سَلاَّمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقُولُ: “أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، أَيُّهَا النَّاسُ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ”. ثَلاثَ مِرَارٍ، قَالَهَا إِسْحَاقُ.
وعن النعمان بن بشير عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “الجماعة رحمة، والفرقة عذاب”.
عباد الله: قد حذَّر الله -عز وجل- هذه الأمة من محنة الفرقة، وبيّن لهم أنها هي السبب المباشر في هلاكها، فقال -عز وجل-: (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام: 65].

ومن أساليب القرآن الكريم كذلك
أن الله جعل من أخص صفات المؤمنين أنهم أولياء بعض؛ قال الله -عز وجل-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].

والولاية -يا عباد الله- هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام، والكون مع المحبوبين ظاهرًا وباطنًا.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا”، وقال: “المسلم أخو المسلم”.

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

آخر الأخبار