العاصمة

حب الوطن واجب شرعي بين الحقيقة والمأمول

0

 

كتب اسلام محمد

حب الوطن فِطْرة في داخل الإنسان، ينبض به قلبه، ويجري به دمه، ولو كان الوطنُ كثبانَ رملٍ بصحراء، أو تعرض فيه للأذى والبلاء، وإن غادر الإنسان وطنَه لضرورة يبقى الشوق والحنينُ إليه ساكنًا في نفسه ووجدانِه، فإنه المكان الذي وُلِدَ وتربى ونشأ فيه، فالوطن فيه ذكرياتٌ لا تُنسى، فيه الأبناء والآباء والأجداد، والأهل والأحباب والأصحاب.

وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص”.

هذا الحب للوطن عبر عنه النبي – صل الله عليه وسلم – في بداية بعثته وحين هجرته، ففي بداية نزول الوحي عليه صل الله عليه وسلم بغار حراء ذهبَ مع زوجتِه خديجة – رضي الله عنها – إلى ورقة بن نوفل، وقصَّ عليه ما حدث معه من أمر نزول جبريل عليه، وورقة يفسر له ذلك حتى قال: ( ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : أَو مُخْرِجِيّ هم؟!، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا ) رواه البخاري.

 

قال السفيري قوله صل الله عليه وسلم : ( أو مخرجي هم؟ ): ” استفهام إنكاري على وجه التفجع والتألم، كأنه استبعد صل الله عليه وسلم أن يخرجوه من حرم الله وجوار بيته، وبلدة أبيه إسماعيل من غير سبب، فإنه صل الله عليه وسلم لم يكن منه فيما مضى ولا فيما سيأتي سبب يقتضي إخراجاً، بل كانت منه المحاسن الظاهرات والكرامات المقتضية لإكرامه وإنزاله بأعلى الدرجات”.

ولقد ضرب النبي محمد صل الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حب الوطن والحنين له، فعندما خرج من مكة المكرمة، خاطبها بمشاعر فياضة بحبها، وعيناه تذرفان الدمع قائلاً: «والله يا مكة لأنت أحب البلاد إلى الله، وأحب البلاد إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت».. من هذا القول النبوي نستنتج دليلاً قاطعًا، كيف أن المرء حينما يرتبط بالأرض التي ولد فيها ونشأ بها، فهو يرتبط معها بعلاقة حب ووفاء، تنشأ وتقوى مع مرور الأعوام، حتى أنه ليعز عليه فراق الأرض التي ألفها، وعاش في ملاعبها طفولته، وقضى في مرابعها شبابه، وشكل من ثراها حبًّا وعشقًا أبديًّا يسكن جسده، والمرء يسعد بحب وطنه، ويصبح جزءًا من مشاعره، يملأ فكره في القرب والبعد. وكما قال محيي الدين الخطيب: تحن الكرام لأوطانها حنين الطيور لأوكارها.

 

فإن حُب الإنسان لوطنه، وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته، إنما هو تحقيقٌ لمعنى الإستخلاف الذي قال فيه سبحانه وتعالى: {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود:61] حب الوطن واجب شرعى و دينى وخلقى: إن حب الوطن واجب شرعي وديني وأخلاقي، هذا الحب يجب أن يترجم إلى واقع وإلى أفعال تؤكد هذا الحب وذلك الإنتماء، حب الوطن هو شعور لا يجب أن يظل حبيسا في الصدور ومكنونات النفس، فالوطن يستدعي منا جميعاً أن نعّبر عن هذا الحب وأن يكون هذا الوطن ومصلحته وبقاؤه هو هدف أسمى لنا جميعاً، هذا الحب لا يفهم بحسب الهوى والمصالح الشخصية والذاتية، فليس من حب الوطن معادة الوطن وأهله،

ونهب خيراته وأمواله والعمل على الفرقة بين أبنائه وغرس ونشر ثقافة الكراهية والحقد والبغضاء والمناطقية والمذهبية بينهم وحب الأوطان الحقيقي يكون فما يقدمه الإنسان في خدمت وطنه وقضاء حوائج الناس

فمن المؤكد أن قضاء حوائج الناس والسعي لمساعدتهم من أفضل الأعمال الخيريـة ومن نعم الله تعالى على العبد أن يجعله مفتاحا للخير والإحسان فعن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال، فطوبى لمن جعله مفتاحا للخير، ومغلاقا للشر، وويل لمن جعله مفتاحا للشر، ومغلاقا للخير ».. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : « إن لله أقواما اختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها عنهم وحولها إلى غيرهم»
قال : كان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا جاءه السائل، أو طلبت إليه حاجة قال : اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صل الله عليه وسلم ماشاء. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل..

وعن طاووس عن ابن عباس قال : قال رجل يا رسول الله إني أقف الموقف أريد وجه الله، وأريد أن يرى موطني، فلم يرد عليه رسول الله صل الله عليه وسلم حتى نزلت : (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا). الكهف : (110).

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading