بوابة العاصمة تلتقى بفضيلة الشيخ عبد السلام رزق والحديث عن فضل ليلة القدر.
كتب – حماده مبارك
التقت جريدة بوابة العاصمة، بعالمنا الجليل فضيلة الشيخ عبد السلام رزق عبد السلام ، مدير عام إدارة أوقاف الرمل بالاسكندرية ، ودار الحديث عن فضل ليلة القدر، وعلاماتها ،
قال عالمنا الجليل فضيلة الشيخ عبد السلام، الحمد لله الذى جعلنا من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم،
نتحدث اليوم عن فضل ليلة القدر وعلاماتها،
تعدّدت أقوال الفقهاء في بيان المعنى المراد من القَدر، استناداً إلى بعض الأدلّة، ومنها قوله تعالى (وَما قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدرِهِ)
فالمقصود هنا بالقَدر، التشريف والتعظيم، وهي ليلة ذات قَدْر بتنزُّل القرآن والملائكة فيها، كما تتنزّل فيها رحمات الله تعالى وبركاته، ومن معاني القَدْر أيضاً، التضييق؛ كما في قوله تعالى، (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)، والمقصود هنا أنَّ التضييق في هذه الليلة هو إخفاؤها، وعدم تعيينها بوقت مُحدَّد، ولأنَّ الأرض تضيق وتزدحم بالملائكة، ومن معانيه أيضاً أنّ القدَرَ بفتح الدال رديفٌ لمفهوم القضاء، أي بمعنى الفصل والحُكم،
وقال بعض العلماء في معنى القدْر وسبب تسميتها بذلك، إنَّ الملائكة في هذه الليلة تكتب ما قُدِّرَ من الرزق والآجال من الله تعالى، وهذا في قوله تعالى، (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ*أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) ،
والليلة المباركة في هذه الآية هي ليلة القدر، تختصّ ليلة القدر بالعديد من الفضائل العظيمة، والتي يُذكَر منها ما يأتي،
تنزّلَ فيها أعظم الكُتب وأشرفها ، ففيها أنزل الله تعالى القرآن الكريم؛ هداية للناس، واختصاصها بذلك دليل على عُلوّ قَدرها، ومنزلتها، كما أنّ فيها الكثير من الأجر والثواب، للمسلم الذي يقومها، تُقدَّر فيها الأرزاق والآجال، وتكتب فيها الملائكة الحوادث، والأعمال، وكلّ ما هو كائن في السنة التي فيها ليلة القدر إلى السنة التي تليها، فينفصل كلّ ما كُتِب من الأمور المُحكَمة بعِلم الله ومشيئته وقدرته من اللوح المحفوظ، لتُسجِّله الملائكة في صُحفها بأمر الله تعالى وإرادته ،
قال تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)، يُعَدّ العمل الصالح فيها أفضل من عمل ألف شهر فيما سواها، كما أنّ العبادة فيها خيرٌ من العبادة في ألف شهر دونها، أي ما يقارب عمل ثمانين عاماً، إضافة إلى أنّ الأجر والثواب فيها مُضاعَف، فعلى الرغم من أنّ العمل في رمضان مُضاعف في الأصل، إلّا أنّه مُضاعَف أيضاً في هذه الليلة أضعافاً كثيرة لا يعلمها إلّا الله تعالى، قال تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، تمتلئ ليلة القَدْر بالسكينة، والأمن، والطمأنينة حتى طلوع شمسها، وفيها تتنزّل الملائكة بالرحمة، والسلامة، والخير لأهل الطاعة والإيمان؛
قال تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ*سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) تُغفَر فيها الذنوب، ويكثر فيها العَفو، والغفران، والتيسير لِمَن قامها مُحتسِباً الأجرَ من الله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)
وعن علامات ليلة القدر:-
تختصّ ليلة القدر بالعديد من العلامات، والتي يُذكَر منها ما يأتي: تظهر الشمس في صباحها شبيهةً بالقمر حين يكون بدراً، حيث لا يكون للشمس شُعاع، وتكون مُستوية، فقد روى أُبيّ بن كعب رضي الله عنه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال (أنَّهَا تَطْلُعُ يَومَئذٍ، لا شُعَاعَ لَهَا)، ينشرح صدر المؤمن وقلبه في هذه الليلة، ويجد في نفسه نشاطاً إلى العبادة، وعمل الخير، يتّصف لَيلها بالاعتدال، فقد وصف الرسول صلّى الله عليه وسلّم، هذه الليلة في الحديث الذي رواه جابر رضي الله عنه، عن النبيّ أنّه قال (إني كنتُ أُرِيتُ ليلةَ القَدْرِ ، ثم نُسِّيتُها وهي في العَشْرِ الأَوَاخِرِ من ليلتِها ، وهي ليلةٌ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ لا حارَّةٌ ولا باردةٌ)، وكلمة بلجة تُفيد معنى أنّها ليلة تتّصف بالإشراق، ولا حَرَّ فيها، ولا بَرد، إثبات وجود ليلة القدر ووقتها وردَت أحاديث كثيرة تُرغّب المسلم في تحرّي ليلة القدر، وإدراك وقتها، وطلبها، وليلة القدر ليلة ثابتة لا تُرفَع حتى قيام الساعة، ومن الأدلّة على ذلك ما ورد عن عائشة رضي الله عنها، عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم، قال (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ)،
الحكمة فى إخفاء ليلة القدر:-
اقتضت إرادة الله تعالى، بأن يجعل وقت ليلة القدر خَفيّاً على العباد، كما أخفى عنهم كثيراً من الأمور، كساعة الإجابة في يوم الجمعة، ووقت انتهاء أجل الإنسان، ويوم القيامة؛ لحِكَم مُتعدِّدة، إضافة إلى أنّه أخفى ليلة القدر؛ ليكون المسلم مُجتهداً في عبادته دائماً في الليالي جميعها، وليكونَ حريصاً على إدراكها، والتماسها؛ خوفاً من أن تضيعَ عليه ، فلو عُيِّنت، فإنّ العبد قد يقتصر بالعبادة على هذه الليلة فقط،
نسأل الله سبحان وتعالى أن يبلغنا ليلة القدر، وأن يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الاعمال، وأن يجعلنا من عتقاء شهر رمضان،
وأن يرفع عن بلادنا وبلاد المسلمين البلاء والوباء، وأن يحفظ مصر وشعبها وقادتها من كل مكروه وسوء.