العاصمة

الوصفة المثالية ⁦

0

إيمان العادلى

‎بابا كان أحسن طبَّاخ شُفته في حياتي، وفضل كدا لحَد وقت مُعيَّن، دا غير إنه كان

أحسن أب في الدنيا، كان دايمًا بيعرف يسيب شُغله ويسيب كُل حاجة مُهمة بالنسبة

له ويكون حريص جدًا إنه يلاقي وقت يقعد معايا فيه ويحسسني أد إيه بيحبني، أثناء

ما كُنت بكبَر، زيي زي أي طفل كُنت بمُر بمراحل مُختلفة، لكنه كان دايمًا موجود عشاني وبيدعمني

‎لمَّا قُلتله إني عاوز أكون عالم حيوانات، اشترى لي كُل الكُتب اللي بتتكلِّم عن الحيوانات وكان حريص إنه يوديني جنينة الحيوانات باستمرار

‎لمَّا قُلتله إني عاوز أكون رائد فضاء، إشترالي تليسكوب وكان بيسهر معايا طول الليل نراقب النجوم

‎لمَّا قُلتله إني عاوز أكون لاعب كُرة سلة، إشترالي كرة سلة وكان بيتدرب معايا كُل يوم

‎لكن لمَّا بقي عندي 13 سنة قررت إني عاوز أكون زيه، ودا خلانا نقرَّب أكتر من بعض

‎أنا فاكر أثناء طفولتي كان دايمًا بيتكلِّم عن كونه طبَّاخ شاطر وبيقول إن دا مش كفاية

بالنسبة له، كان عايز يكون الأفضل، كان طموح في شُغله وبيحبه جدًا، دا بخلاف

كونه أب جيد جدًا، كان زي ما يكون هو بات مان وأنا روبين، خدني تحت جناحه وبدأ يعلمني كُل حاجة يعرفها

‎نظرًا لأنه طبَّاخ، كان لازم يتخصَّص في نوع مُعيَّن من الأكل، وهو فعلًا كان مُتحصِّص

في اللحوم، كان بيعملني إزاي أحضَّر، أطبُخ، وأقدِّم أفضل أطباق اللحوم في العالم،

علمني أعمل كوبي بيف الياباني، أو الواغيو بيف الأمريكي، أو الفيليه مينون، كان

عايزني أبقي كويس زيه بالظبط، علمني كُل حاجة يعرفها إلا حاجة واحدة بس … الوصفة المثالية

‎عشان بابا يكون الطبَّاخ المثالي … كان لازم يعرف يخلق الوصفة المثالية

‎كان دايمًا بيقولي: ” دا هيكون أحسن طبق في العالم، الناس كُلها هتتكلِّم عنه،

هيقولوا إن دا أفضل طبق في العالم كُله، اسم العيلة دي هيتسجِّل في التاريخ “

‎المُشكلة إن وصفته مش بس سر، كان دايمًا بيتكلِّم عن إنه لسَّه بيشتغل عليها، لكنه رافض يعلمهالي لحَد دلوقتي

‎لمَّا كُنت بسأله عنها كان بيقولي: ” مش دلوقتي، لسَّه موصلتش للكمال، لسَّه فيه حاجة ناقصة، بس أوعدك لمَّا تكمل، هعلمهالك “

‎لمَّا كان عندي 15 سنة، بابا قرر يغيَّر نظام البيت، بني مطبخ كبير جدًا في القبو، كان

عايز يشتغل أكتر على وصفته المثالية، الحاجة الغريبة إن كان ممنوع أي حد ينزل

المطبخ الجديد بتاعه، وكان حريص على دا جدًا، كان مركب جهاز إنذار وقفل كبير على الباب، الباب نفسه كان معدني مزدوج

‎الصُبح كان بيشتغل، وبالليل بينزل يقعد في مطبخه، ومبقاش يهتم بيَّا زي الأول، الوقت اللي كُنا بنقضيه مع بعض كان بيقل شوية بشوية
‎أنا كلمتكم عن ماما؟
‎لسَّه؟!
‎ماما دي مسكينة، ماما كانت واحدة من أحسن الأمهات اللي في الدنيا، ورغم إن أنا

وهي مش قريبين من بعض زي علاقتي أنا وبابا، لكنها كانت بتلاحظ لو فيه حاجة

متغيَّرة وبتفضل معايا لحَد ما تصلَّح كُل حاجة، كانت هي اللي بتقرالي قصص قبل

النوم لمَّا كُنت طفل، هي اللي كانت بتاخد بالها من صحتي، وكانت بتنصحني في علاقاتي العاطفية، كانت دايمًا موجودة عشاني

‎لمَّا بابا بعد عني وإتشغل في مطبخه، كانت هي موجودة هنا عشاني، كانت قادرة تتعامل معايا وتحل كُل مشاكلي

‎كُنت بايت عند واحد صاحبي لمَّا حصل اللي حصل، طبقًا لبابا، هي دخلت المطبخ وصرخت فيه فجأة عن أد إيه هو زوج سيء وأب سيء، طلعت الدور اللي فوق وبدأت تجهز شنطتها وخدتها ومشت

‎بقالها أسبوع تقريبًا مُختفية، حاولت أتصل بيها لكن تليفونها كان مقفول، حاولت أتصل بعيلتها يمكن تكون راحت لهم، لكنهم برضه مكانوش يعرفوا عنها حاجة،

في النهاية قررت أروح للشُرطة، وبلغوني إنهم هيبدأوا يدوروا عليها

‎في الفترة دي بابا كان بدأ يتغيَّر، بدأ يقضي معايا وقت تاني، ولأول مرة من فترة طويلة جدًا قرر يطبخ العشا، فرحت جدًا لكن للأسف الحلو ميكملش

‎بعد 3 أيام من التحقيقات، قبضوا على بابا، بتهمة القتل العمد، وقتها كان عندي 18

سنة، مكُنتش مصدَّق إنه قتل ماما، لكن الشُرطة قالتلي إن عندهم شريط فيه دليل على كلامهم وإني لو حابب أشوفه هيسمحولي بدا، ويا ريتني ما شُفته

‎في بداية الفيديو كان فيه ظلام دامس، بعد كدا النور إتفتح، الكاميرا كانت بتصوَّر المطبخ

‎بابا دخل للمكان اللي الكاميرا بتصوره، كُنت شايفه، بص للكاميرا وبدأ يتكلِّم: “

لسنين طويلة، كُنت بحاول أخلق الطبق المثالي، طبخت لحوم حيوانات مُختلفة،

جربت كُل أنواع اللحوم، لكن الوصفة المثالية كانت أدامي طول الوقت ومكُنتش شايفها “

‎عينيه كانت بتلمع بجنون غريب، شكله كان مُخيف وهو بيتكلِّم
‎خرج من زاوية التصوير، رجع تاني بعد لحظات في إيده طبق، خوفي وقلقي كانوا بيزيدوا في اللحظات دي

‎” خليك فاكر كلامي كويس، دا هيكون الطبق الأعظم في التاريخ ”
‎ضغط على زرار وبدأت زاوية التصوير توسَع، كان فيه ترابيزة صُغيرة مربوط عليها واحدة ست، أمي!

‎الخوف كان مالي عينيها، كانت بتعيَّط وهي بتحاول تفك نفسها لكنها كانت مربوطة بقوة
‎بص للكاميرا وهو بيبتسم وبيقول: ” دلوقتي ركزوا

معايا، مُستعدين تتعلموا إزاي تعملوا الوصفة المثالية، ركزوا معايا، مش عايزكم تفوتوا حاجة “

‎طلع سكينة كبيرة وبدأ يدبحها بقوة، فصل راسها عن جسمها، بدأ يقطع اللحم لشرائح طويلة رفيعة ويخلي العظام من اللحم

‎كُنت بتفرَّج وأنا بعيَّط، حاسِس بالخوف والرعب، ساعتها كُنت مُدرِك إيه اللي هيحصل بعد كدا، كُل حاجة علمهالي في يوم من الأيام كان بيطبقها بشكل عملي، مقدرتش أتحمل اللي بشوفه، قُمت تقيأت كُل اللي في بطني

‎كان بيطبخها!
‎زاوية التصوير إتغيَّرت، كاميرا تانية اللي كانت بتصوَّر دلوقتي، كاميرا متعلقة فوق ترابيزة السُفرة، يوم ما طبخ العشا للمرة الأولى من سنين طويلة
‎سألني: ” إيه رأيك في الوصفة دي؟ ”
‎ابتسمت وأنا بقوله: ” مثالية ”
‎بص للكاميرا ببطء وهو بيبتسم وبيغمز بعينه

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading