العاصمة

الملول لا وفاء له!

0

كتب: المستشار/ هشام فاروق رئيس محكمة استئناف الإسكندرية.

صنف من الناس يُغيِّرون ملابسهم كل يومين ؛ و هواتفهم النقالة كل أسبوعين ؛ و سياراتهم الفارهة كل شهرين! فإذا سألتهم عن سبب ذلك قالوا:الملل!

قال الأحنف بن قيس:الملول لا وفاء له…(الأمالي للقالي) ؛ و قال محمد بن واسع:ليس لملول صديق…(حلية الأولياء لأبي نعيم و تاريخ دمشق لابن عساكر)

و لقد رُئِيَ عَمْرُو بن العاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَ هُوَ عَلى بَغْلةٍ هَرِمَةٍ – قَدْ شَمِطَ وَجْهُهَا هَرَمًا – و هو إذ ذاكَ أميرُ مصر ؛ فَقِيلَ لَهُ:أتَرْكَبُ هَذِهِ وَ أنْتَ الأميرُ؟! وَ عَلَى أَكْرَمِ نَاخِرَةٍ بِمِصْرَ؟! فقال:لا مَلَلَ عِنْدِي لِدَابَّتِي مَا حَمَلتْنِي ، وَ لا لامْرَأتِي مَا أحْسَنَت عِشْرَتِي ، وَ لا لِصَدِيقِي ما حَفِظَ سِرِّي ؛ إنَّ المَلَلَ مِن كَوَاذِب الأخْلاق.(غريب الحديث للخطابي و الكامل في اللغة والأدب للمبرد و الفائق في غريب الحديث والأثر للزمخشري) [عَلَى أَكْرَمِ نَاخِرَةٍ:هي الخيل ، لأنها تنخر نخيرا ؛ و هو الصوت الخارج من الأنف. و المعنى:تحت إمرتك و مُلكك أفضلُ الخيول]

و قال عَمْرُو بن العاص أيضا:ثلاثة لا أمَلُّهُنَّ:جَلِيسِي مَا فَهِمَ عَنِّي ، و ثَوْبِي مَا سَتَرَنِي ، و دَابَّتِي مَا حَمَلتْ رَحْلِي.(التاج في أخلاق الملوك للجاحظ)

يا الله على هذا الكلام الجامع! إن الملل من كواذب الأخلاق!

يركب على بغلة عجوز شمطاء فلا يُغَيِّرها و لا يَمَلها مادامت تحمله و تحمل رَحْلَه! و تحت إمرته و مُلكه أفضل الخيول في مصر! و لا يَمَل ثوْبَه – و إن كان قديما أو مُرَقعا – مادام يستره! و لا يَمَل امرأته – و إن كبرت أو تغيَّر حسنها – مادامت تُحْسِن عشرته! و لا صديقه – و إن بدرت منه هفوات – مادام يحفظ سرَّه! و لا جليسه – و إن طال مُكْثه – مادام يفهم عنه!

فهذا صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي أدخل الإسلام إلى إفريقيا كلها ؛ لا بالسيف و إنما بالعدل و الإحسان و أخلاق كتاب الله تعالى! فيجري عليه ثواب كل من عمل فيها عملا صالحا من زمانه حتى يوم القيامة!

إنه لم يتعلم في المدارس الأجنبية ، و لم يدرس في الجامعات الأوروبية و لا الأمريكية ؛ و إنما تعلم في مدرسة الرسول صلى الله عليه و سلم ، و تخلق بأخلاق كتاب الله تبارك و تعالى! هذه هي الوجاهة الحقيقية كما يُعلمها عمرو بن العاص رضي الله عنه! فليتعِظ من كان متعِظا!

فإن كان عندك فراغ فلا تشغله بمعصية الله ، و إن كان عندك مال فلا تضيعه إسرافا و تبذيرا ؛ و لكن اذهب فامسح على رؤوس اليتامى…اقضِ أوقاتك معهم و أنفق عليهم و حاول أن تعلمهم ما ينفعهم في الدين و الدنيا! إن فعلت هذا وجدت لحياتك معنى و طعما آخر ، و ذهب عنك السأم و الضجر و الملل!

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading