العاصمة

المجموعة القصصية ليلة فى روض الفرج قصة قصيرة أبريق عزيزة

0

 

بقلم : سامى علوان

اتركينى

مللت حالى

كفانى نظراتك الثاقبة

تارة أحسها نظرة إعجاب وتقدير … وتارة أخرى أحسها نظرات رثاء وشفقة على ما صرت إليه !

ساعتها أملق نفسى لأجدنى متسخا بما علق بى من التراب والغبار ..
دعينى أرتشف بين يديكى وتنساب يداكى فوق جسدى كما ينساب ماء النيل فى هدوء وصفاء

ولا تكونى كموج هادر لا يستقر على حال !

يداكى التى تؤلمنى كلما أمسكت بى لتضعى على جسدى الرقيق البراق قطعة من القماش لتزيلى بها

ما علق بى من التراب والغبار …

إنها مأساة أعيشها منذ زمن بعيد .

هذا فأر حقير يلهو ويلعب بداخلى دون رقيب أبحسنى حقى حتى صرت إبريق حقير يكاد يغشى على من حركات ذلك الفأر البليد
فياليتنى أسورة تتحلى بها فتاة الربيع
فمازلت حبيس بين الأرفف الزجاجية داخل دولاب عزيزة !
منذ أن رأيت ذلك الإبريق الزجاجى الملون والمزركش بالورود … الذى تعامليه بلطف وحنان بين يديك وتتركيه يلهو ويلعب على مائدة الطعام بين يدى الضيوف الكرام …
فكلما رفعته يد يزداد إحساسى بالمرارة والحرمان .
فأنا من ذهب وهو من رمال !
وعلى بابى وضعت عزيزة الأقفال !
وكم كانت سعادتى حينما سقط ذلك الإبريق الزجاجى المزركش بالورود وسمعتها تذكرنى على مائدة الكرام
وببطء شديد فتحت عزيزة الأقفال وجذبت باب الدولاب ومدت يديها ناحيتى بكل رفق وحنان وبينما تمسك بى قفز من داخلى ذلك الفأر البليد فإنخلع قلبها من بين ضلوعها وأخذت تخفق خفقات سريعة متلاحقة وجرى الدم فى عروقها ليصعد إلى وجهها الأبيض فتكسوه حمرة وتتصبب عرقا وينتابها فزع شديد .
فإذا بى أسقط من بين يديها لأهوى ناحية أرضية الصاله متخللا الهواء من حولى ويديها تهوى ورائى تلاحقنى وارتعدت فرائسى وأنا أصطدم بأرضية الصالة … صدمة عنيفة أفقدتنى توازنى .
فإذا بى أصعد لأعلى حتى أقف فى الهواء ليسود المكان صمت رهيب لجزء من الثانية مر على كدهر طويل … بعدها أهوى سريعا نحو أرضية الصالة مرة أخرى …
حركات سريعة متتابعة فى ثوان معدودة حتى تمالكت نفسى … لأجدنى بين يدى عزيزة ينتابنى ألم شديد … حتى أبصرت يدى ملقاة على أرضية الصالة
وبلهفة غريبة وبرفق وحنان لم أعهده جملتنى عزيزة ووضعتنى داخل حقيبتها الصغيرة … وإلى الصاغة حملتنى …. وعند الصائغ أودعتنى …. وبدموع الحزن ودعتنى … وجاء الصائغ على عجل … وبالنار أحرقنى … وعلى السندال جهزنى …. وبالمطرقة أدبنى …. فأصلح من شأنى وجبرنى ، وبالفرشاة جلخنى ، فصرت كما كنت ببريقى المذهب
ونظرات الإعجاب عادت تراود من يرانى ، فأحسست أنى سلطان زمانى ، وبإبتسامتها الرقيقة قابلتنى ، وبيدها الحنون حملتنى ، وعلى الرف وضعتنى ، وبالحسن وصفتنى .

وأوصدت على باب الدولاب ، ثم وضعت الأقفال ، فأدركت ساعتها أننى إبريق عزيزة .

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

آخر الأخبار