منذ رحيله و أنا أتجنب أن أمسك قلمي ،أخاف أن أكتب ،أن أتعمق بداخلي ،حتى فاض حملي فأمسكته
الليلة لأجرب ،هل جف هو الأخر مثلما جف قلبي ، هل سيكتب أم ينزف ألما، أعتدت دوما الكتابة عند كل
خيبة أو ألم أو خذلان ،لكن الآن قلمي يبكي كعيني التي لا تجف أبدا ،شهور حداد مرت دون أن يجف عن
البكاء لكنه يأبى أن يخط أي حرف ،لعله ينزف كعادته كلمات وعبارات ليزيح عني ما يحمله قلبي و تفيض به
نفسي ، لكنه أبى أن يخط حرفا واحدا ؛ لعله مات أو رحل أو كسر بموت الأحبة ،لم أكن أتخيل كل هذا
الحزن بعد موت أبي ؛ كونه كان دائم التعب والمرض قد تزايد عليه ، لكن دخوله في غيبوبة أسبوع قبل
رحيله مزقني أربا ، أسبوع طويل لم أذق فيه طعم النوم كنت لا أكف عن البكاء ليل نهار ، تمنيت لو استفاق
لدقائق ليرانى ،ولأساله هل هو راض عني ،تمنيت أن أعتذر منه عن أي تقصير نحوه ،تمنيت أن يفتح عيونه
لحظات لأودعه الوداع الأخير ، لكنني دوما محرومة من الوداع الأخيرا فكما رحلت أمي دون وداع رحل أبي
،لم أتوقع رحيله يومها كنت علي يقين أنه سيعود لنا مثل أي مرة مرض بها من قبل ، لكنه رحل و ترك لي
الحزن و الألم و الدموع و اليتم ،كنت أتصور رحيل أمي أصعب ما مررت به في حياتي ؛ فقد رحلت فجأة دون مرض و تركت لي جرحا غائر و حرمان من الحب و العطف و الحنان.. لكن الأن بعد رحيل أبي تذوقت مر الفقد واليتم الحقيقي ؛أصبحت الدنيا فارغة تماما ، غربة وألم و وحشة لن يحسها إلا من عاشها ، موت الأب يعني أن تصبح بلاسند ،بلا رحمة و بلا أمان ،يعنى أن يكسر ضهرك ،أن تسير بلا عائلة فجأة ..
الغريب أن أقرب الناس لا يشعرون بك ،يظنونه هينا ولكنه ليس هين ،أنه حزن عظيم يزداد كل حين و لا ينتهي ..
الكل يعتقد أنك نسيت، بينما أنت تتألم وتفتقد كل حب و ينقصك كل شيء ، رحيل الأب والأم لا يعوضه أحد ،لن تشعر بألم اليتم إلا إن تذوقته ..ستعرف معنى أن يأتي العيد و يمر كأنه يوم عادى، ستعرف معنى أن تبكي شوقا لهما ليلة العيد ويوم العيد و كل ليلة تمر دونهما ، لن تشعر بالفرحة مهما أمتلكت من مقومات السعادة ؛لأنهما ليس هنا ليفرحان لك و بك ،ستنجح و لن تحس معنى النجاح دونهما ، اليتم صعب حتى لو كنت في فوق الأربعين ، ستشعر أنك طفل فارق حضنهما ،وتاه في الحياة وأصبح بلا وطن وبلا عنوان ، طفل يبكي شوقا واحتياجا لأمه وأبيه ، فلامعنى للحياة بدون أمان وحب ، اليتم لا يوصف بل يحس فقط.
الخلاصة أن تكون بلا أب وأم، يعني أنك ليس على قيد الحياة، رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.