العاصمة

الأنيميا المجتمعية

0

 

كتبت : أسماء فكري السعيد علي

الأنيميا .. مرض نعرفه جميعا كمرض للعصر الحديث .. وهو مرض خطير جدا علي الصحة

العامة لما ينتج عنه الإصابة بالعديد من الأمراض المناعية مثل السرطان والأمراض الفيروسية ..

فهذا المرض اللعين هو ناتج عن نقص بنسبة الهيموغلوبين بالدم نتيجة نقص كامل

وشديد في كرات الدم الحمراء وخلايا الدم البيضاء وهم المسئولون عن تعزيز جهاز

المناعة بالجسم ليكون قادرا علي مواجهة أي مرض عدائي قد يواجهه ..

جميع ما سبق جيد جدا وكلام نعلمه جميعا ولكن في مقالي هذا أنا لا أقصد هذا النوع

من الأنيميا أي لا أقصد الأنيميا المرضية بل قصدي هو الأنيميا المجتمعية .. الأنيميا المجتمعية ؟ .. نعم ..

فبتطبيق الأنيميا كمرض علي الأنيميا التي أصابت مجتمعنا المصري لفهمتم ما أقصده بكلامي ذاك ..

يقصد بالأنيميا المجتمعية .. هو تلك النقص الشديد في نسب التواصل المجتمعي نتيجة

لقطع كامل في الكثير من العلاقات والروابط والقضاء علي الكثير من العادات والروابط القديمة التي كانت تنشأ بين الأسر وبعضها البعض ..

 

كلام جميل لكن أعلم أن الكثير ممن سيقرأوه لن يفهموا مقصدي ولذلك سأشرح لكم مقصودي بالأنيميا المجتمعية .. اشتهر المجتمع المصري بوجود العديد من الروابط بين

أفراد المجتمع سواء كانوا من طبقة واحدة أو بين طبقات المجتمع المختلفة .. فقديما كان المجتمع المصري كبارا وصغارا أغنياءا أو فقراء جميعهم علي قلب رجل واحد يد

واحدة في كل شئ .. في الفرح وفي الحزن معا .. كان شعارهم في السراء والضراء نحن معا يد واحدة ..

كانت الأسرة المصرية الواحدة بينها ترابط قوي جدا لها قواعد وأصول يتبعها جميع أفراد الأسرة .. علي سبيل المثال .. مواعيد محددة للوجبات الثلاثة لابد أن يجتمع فيها كل

أفراد العائلة بالإضافة لوجود عادة قد انقرضت حاليا كانت تسمي ( شاي الساعة ٥ ) وكانت العائلة تجتمع فيه للتناقش في كافة المواضيع الجيد منها والسئ بل ووجود

حلول لبعض المشكلات التي قد تكون قد واجهت أحد أفراد العائلة وبالتالي كانت الرابطة بين الأسرة قوية تجعلها بنيان ثابت لا يمكن زحزحة أي من قوالبه الأصيلة ..

وبتطبيق قواعد مرض الأنيميا المجتمعيةعلي الأسرة المصرية في وقتنا الحالي لوجدنا تحققها وبشكل واضح جدا .. فلقد أصاب معظم الأسر المصرية قطع شديد للعديد من

الروابط نتيجة لقلة التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة فمع التقدم والتطور التكنولوجي وظهور الكثير من مواقع التقاطع الإجتماعي ( أقصد طبعا التواصل الإجتماعي ) كالفيس

بوك والتويتر والواتس آب أصبح التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة بل والعائلة من خلال الكبس علي لوحة أو شاشة موجودة بهاتف من خلالها نرسل مجموعة من الرسائل إما

للتهنئة أو المواساة .. أي أنه حتي مكالمة الهاتف لنسمع أصوات بعضنا البعض أصبحنا لا نهتم بها .. هذا بالإضافة لعجلة الحياة التي أصبحت ذات طبيعة سريعة جدا نعدوا

ورائها دائما ولا نلحقها ونظل نعدوا ونعدوا علي حساب أنفسنا وحساب من حولنا داخل الأسرة الواحدة ..

في الماضي كنا نتجمع كأفراد الأسرة في مواعيد ثابتة ومعروفة إما لمشاهدة مسلسل الثامنة ثم حديث الروح ونشرة الأخبار ليذهب بعدها كل منا ليستعد لنوم هنئ حتي

ينهض مبكرا علي صوت المذياع لقرآن الصباح ثم أخبار إذاعة مصر وحكايات أبلة فضيلة وغيرها .. وفي المساء نستمع جميعا لمسلسلات الإذاعة وأجمل برامجها مثل قال

الفيلسوف وكلمتين وبس أو موعد الأسرة كل ليلة خميس لسماع حفلة من حفلات

الزمن الجميل لأم كلثوم .. أما الآن ومع وجود العديد من القنوات التليفزيونية والإذاعية

بجانب اليوتيوب والسوشيال ميديا أصبح لا يوجد ما هو مشترك بين الأسرة ليجمعهم وأصبح كل فرد منها في وادي غير وادي أخيه ..

طيب هذه هي الأنيميا المجتمعية بالنسبة لتطبيقها علي الأسرة .. ولكن هل يختلف تطبيقها علي المجتمع المصري ككل .. بالطبع لا يختلف أبدا .. فالأسرة المصرية هي

جزء من المجتمع فلو صلحت صلح المجتمع بأكمله وإن عطب أحد أفرادها كان له تأثير علي المجتمع ككل ..

فما نواجهه اليوم داخل المجتمع المصري من قطع للروابط والعلاقات واندثار العديد من

القيم والتقاليد المجتمعية التي كانت موجودة سابقا أدي لظهور تلك المرض الخبيث

والمسمي بالأنيميا المجتمعية ..فعندما كنت صغيرة كنت أجد أمي وجدتي يتبادلن

الطعام والحلوي مع من حولنا من الجيران وكانت دائما هناك الإجتماعات التي يتجمع فيها أفراد المنطقة الواحدة للتعارف

والتقارب .. ولو واجه أحدهم ضيقا لوجدت الصغير قبل الكبير واقفا ساعده بساعد

صاحب المشكلة هذا بالإضافة إلي الغيرة والنخوة والرجولة من جانب ذكور المجتمع

المصري علي المرأة فكان نادرا جدا ما تشاهد حادثة تحرش أو معاكسة بالشارع أو أي

جريمة من الجرائم الأخلاقية التي أصبحت وبفضل الأنيميا المجتمعية منتشرة وبشكل

بالغ الخطورة وبصورة مخجلة في الشوارع والميادين بل وداخل الأسرة الواحدة ..

غير أنه في أوقات الحرب والأزمات كانت كل فئات وطبقات الشعب المصري واحدة ليس

هناك غنيا أو فقيرا ولكن بعد الرخاء وإنتهاء الحرب ونهاية الأزمات زادت الفجوة بين أفراد

الشعب وأصبح أفراد الطبقة الواحدة نفسها متقطعي الأوصال ينظرون لبعضهم البعض نظرات التعالي والكبر ..

والآن وبعد أن إستعرضت معكم مقصدي بالأنيميا المجتمعية أود أن أوجه سؤالا لكل

فرد داخل المجتمع المصري .. من وجهة نظرك أنت نعم أنت ماهي أسباب الأنيميا

المجتمعية وهل تعتقد إصابتك بها ؟ .. أعلم إجابتك التي لن تستطيع الإدلاء بها لعجزك

عن مواجهة حالك وإعترافك بأنك بالفعل مصابا بتلك المرض وأنك جزء من أسباب إنتشاره ..

هل تقدمنا وتطورنا لنواكب من حولنا هو أصل الضرر بنا والسبب في إصابتنا بتلك

المرض اللعين .. إلي متي سنظل هكذا نقف كمتفرجين نلقوا باللوم علي غيرنا

وتحميلهم الذنب علي إنتشار هذه الأنيميا المجتمعية وننسوا أنفسنا أن كل فعل هو من أيدينا نحن ..

هل سنظل واقفون عاجزون ونترك ما تبقي من أنقاض تلك المجتمع المصري لهذا

المرض يلتهم بقاياه أم سنصحو من غفلتنا هذه ونستغل ما بأيدينا لمحاربته والقضاء عليه لعودة الترابط والتآخي بين جميع طبقات المجتمع المصري ..

فأفيقوا شعب مصر قبل أن يصبح هذا المرض ( الأنيميا المجتمعية ) كإيدز يسري في أوصال المجتمع المصري وليس له علاج ..

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading