كتبت / ريم ناصر
في العصور البائدة وأزمنة الظلام والجاهلية
وعندما بدأ فجر الإسلام يبزغ ، لتنتشر شمس
الرسالة الربانية المحمدية المضيئة، متسلحة
بالإيمان الإلاهي العظيم في عقول وقلوب كفار قريش وسادتهم ، لتزيل الغشاوة من على أبصارهم
وأفئدتهم ، ولتأخذ بأياديهم إلى الطريق القويم
وبتفرد الخالق في ناموسه الكوني وحكمته ، فهناك
من آمن واتبع هداه ، ومنهم من ضل السبيل وظل
على كفره وغواه- حتى قضى نحبه وفاضت روحه إلى مولاه .
ونحن في هذه الأيام الطاهرة بصدد الحديث عن ذكرى أعظم الليالي العطرة المباركة
(ليلة الأسراء والمعراج) والتي تجلت فيها عظمة الخالق في أحكام قبضته وسيطرته على سائر الدنيا بحذافيرها.
هذه الحادثة الجليلة والتي جاءت تسرية وتثبيتاً ،
وتعظيماً وتتطيباً لرسولنا الكريم لما حاق به من أحزان اعتصرت فؤاده وجوانحه في هذا العام (عام الحزن )
العاشر من البعثة النبوية- لوفاة أهم داعمين ومؤازرين ومناصرين له في دعوته النورانية بالمال والعدة والعتاد( عمه أبو طالب- وزوجته السيدة خديجة)
رضي الله عنها وأرضاها.(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير)صدق الله العظيم.
ومن الآيات والمكافآت الإلاهية التي تنعم بها الله
سبحانه وتعالى على رسولنا العظيم صاحب الخلق الرفيع المنزه عن الهوى والذي صلى بالأنبياء إماماً
في بيت المقدس.
فقد كرمه الخالق جل وعلا برحلة ليس لها مثيل ،ولم تحدث لبشر من ذي قبل، ليشاهد عجائب وغرائب
المخلوقات الكونية التي تسبح في فلك الكون بدقة بالغة بأمر الله- مسبحة بحمده وسابغ نعمته
,وتعلن تفرده وأحقيته سبحانه وتعالى ببسط شريعته وقوته على الكون بقول{كن فيكون} العلي القدير
(أن الله وملائكته يصلون على النبي ، يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) صدق الله العظيم.
وفي دنيا الضلال كما تحدثنا سلفاً لم تكن الهداية والإيمان والتبعية للدين الحنيف بالشيء السهل والهيين، فقد كانت هذه الرحلة من الأشياء اللاعقلانية
وخرقاً لأمور طبيعية لما يألفها الناس في هذا العهد
فقد كانوا يذهبون من مكة إلى الشام في رحلة تستغرق من الوقت(شهر) ويعودون في( شهر)
فكيف يصدقون رواية الرسول الكريم بأنه قطع كل هذه الرحلة في جزء من الليل ، لقد كانت هذه الحادثة
بمثابة شيئاً إعجازياً ومذهلاً للناس جميعاً وامتحاناً واختباراً لقوة الأيمان بالقلوب وخاصة من الذين اتبعوه وآمنوا برسالته وهديه، ففرحوا بما آتاه وصدقوه ،وفَرَق بين ضعاف القوم والأيمان
الذين ظلوا على كفرهم وكذبوه
لقد آتت الرحلة أكلها – بصعودها من بيت المقدس
ولم تكن من مكة وذلك لتوسعة أطر
الإسلام ونشره في ربوع البرية كلها ليكون (الدين الخاتم للرسالات) الذي أرتأه وارتضاه رب العزة للناس جميعاً على اختلاف أجناسهم وألوانهم وشعوبهم ولغاتهم (وجعلكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم)صدق الله العظيم.
وفي طريقه صلى الله عليه وسلم( للمعراج) فرضت الصلوات في السماء السابعة على المسلمين بهيئتها
الحالية وعددها وأزمنتها اليومية بعد أن تشفع الرسول عند الخالق جل علاه لتخفيضها لتلك الحالة
تيسيراً عليهم وعدم تحميلهم مالا طاقة لهم به، وحتى تكون الفروض سهلة ومحببة أليهم، وتكون معراجاً إلى الله بأرواحهم ومناجاته في خمس أوقات مفروضة والقيام بها في السفر والحضر، والأمن والخوف، والصحة والمرض.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( جعلت قرة عيني في الصلاة)صدق رسولنا الكريم.
كنز من الكنوز الإسلامية يفيض علينا دوماً بأنواره ونفحاته وما أكثر الدروس والعبر المستفادة من الرحلة الربانية لرسولنا الكريم (وأن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)
وأهمها قدرة الله تعالى في خلق هذا الكون الشاسع العظيم وفرض سيطرته ونفوذه عليه وتدبيره لهذه الرحلة في جوف الليل وفي غفلة من الزمن (أن في خلق السموات والأرض لآية، ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وأن الذي خلق السموات والأرض بدون عمد قادر على كل شيء
فانظروا في آياته متعددة الخلق من حولكم التي لاتعد ولا تحصى (فبأي آلاء ربكما تكذبان)
كذلك المشاهدة الحسية للروائع الكونية المخلوقة بعبقرية وبدقة متناهية فيعجز العقل عن تخيلها واللسان عن وصفها لبداعتها في كل شيء والملائكة حافين حول العرش- ومخاطبته لحامل لواء الوحي
ومبلغه لرسولنا- الحبيب(سيدنا جبريل) وتخطيه للسموات السبع واستماعه لكلام الله تعالى رب العزة والقدرة والجلال في(سدرة المنتهى) خالق الكون ورب العباد الذي لامثيل لكلامه(ليس كمثله شيء) الذي اذا قال للشيء ( كن فيكون) فسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومسك الختام تعتبر هذه الرحلة قبس من نور الله والنبوة , ومعجزة عظيمة يجب أن نتأسى بها في ذكراها ، وفي كل وقت وحين ،فهي وأن دلت على شيء فإنما تدل على أن الإسلام هو رسالة الله الأخيرة لأهل الأرض{ ولو كره الكافرون} ونعمة مهداة مع خاتم الأنبياء والمرسلين.
قال تعالى:- (أن الله وملائكته يصلون على النبي ،
يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)صدق الله العظيم
فالحمد لله الذي نزل القرآن تبياناً لكل شيء ،وهدىً ورحمة وبشرى للمسلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي تلقى ما أوحي
إليه من ربه ، فبلغه على أكمل وجه وأعظمه، ونشر هدايته بأفصح بيان وأروعه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأسأل الله لي ولكم في هذه الليلة المباركة حسنات تتكاثر، وذنوباً تتناثر، وهموماً تتطاير، وأن يجعل بسمتنا سعادة ، وصمتنا عبادة، وخاتمتنا شهادة، ورزقنا دائماً في زيادة بكل قطرة مطر وبعدد من حج واعتمر، أدعو الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.