إن في القبر لأسئلةً معلومة والسعيد من وفِّق للإجابة
بقلم / محمـــــــد الدكــــــــرورى
إن في القبر لأسئلةً معلومة، والسعيد من وفِّق للإجابة، ولا يوفَّق لها إلا ذو حظٍّ عظيم، وصاحب أعمال صالحة.
إن من شلَّت أركانه ولا يَستطيع الإجابة تراه يَصرخ ويُنادي ولا مجيب؛ إذ هو بين التراب في كرب عظيم، وكان قبل ذلك يصدُّ عن السبيل.
ويلي! كلما أتذكر لحظة وَحدتي في قبري أتمنى أن أكون ترابًا وأن أصير نسيًا منسيًّا.
فالقبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران، فما لكَ يا من تواصل الليل بالنهار من أجل دنيا زائلة؟!
لم يبقَ وقت يُذكر، أفِقْ قبل أن تتعانق الضلوع، فلا حسَّ ولا خبر، ويكون الندم حينها!!
كيف الطريق ومن أين الخروج؛ حيث لا عمل، الوقت انتهى؟!
أما مَن هو في نعيم، والنور يملأ قبره، والعمل الصالح جليسه؛ هذا في فوز مبين، فلك الاختيار يا من تحب لقاء الرحمن!
هي اللحظاتُ التي يُفارق فيها الحبيبُ حبيبَه، والخليلُ خليله، ويفارق فيها الولدُ أمَّه، والوالدُ ولدَه، هي اللحظاتُ التي بعدها تُرَمَّل الزوجةُ، وتثكلُ الأمُّ، ويُيَتَّمُ الولدُ.
هي اللحظات التي تُختَم بها حياة الإنسان في الحياة الدنيا، إما بخاتمة حُسنى، وإما بخاتمة سيِّئة، والعياذُ بالله.
هي لحظاتُ الانتقال من الحياة إلى عالم البَرزخ والآخرة، فمَن مات، فقد قامَتْ قيامته.
هي اللحظات التي يَعرق فيها الجبينُ، ويَكثر فيها الأنين، ويَعجز عندها الطبيب، ويَحار فيها اللبيب، ويَكثر فيها البكاء والنحيبُ، هي اللحظات التي تعبِّر عن عُمر مديد، والإنسان عندها شقيٌّ أو سعيد.
هي اللحظات التي ينقطع بها الأملُ، ولا يَصلح بعدها العملُ، وأُمنيَة الكافر بعدها: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ ..
هي لحظاتٌ طالَما انتظَرها المؤمنُ؛ لأنها تقرِّبه إلى الله، وطالَما خاف منها الفاجر لعظيم ما قدَّمت يداه.
وأحبُّ أن أقرأ عن المحتضَرين وأحوالهم، وأحوالِ مَن حولهم، وأتذكَّر قوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ فالقراءة عن المحتضرين تُذكِّر بالآخرة، وتُليِّن القلب، وتُدْمِع العين، وتَشحذ هِمَّة المؤمن من جديد.