كتب: المستشار/ هشام فاروق رئيس محكمة استئناف الإسكندرية.
أكثر الناس يُحبون التغيير ؛ و هو أمر لا يُكرَه إذا كان في حدود التوسُّط دون غلوّ و لا إسراف! و لكن ثمة صنف منهم يُصيبهم الملل و الضجر و السأم سريعا من كل شيء! حتى من الشيء الذي طلبوه و بحثوا عنه و رغبوا فيه! فتراهم يُغيِّرون ملابسهم كل يومين ؛ و هواتفهم النقالة كل أسبوعين ؛ و سياراتهم الفارهة كل شهرين! فإذا ما حصلوا على ما تاقت أنفسهم إليه سرعان ما ملوا منه و زهدوا فيه و بحثوا عن غيره! و يظنون أن تلك وجاهة!
و كذبوا! فما تلك بوجاهة أبدا ؛ و إنما هي إسراف و تبذير مُحرَّم!
و الملل حينما يزداد عن الحد يُضرّ بالإنسان:يُضرّ بدينه ، و يُضرّ بمستقبله ، و يُكدِّر عليه عَيْشَه و حياته ، و يُصيبه بالهَمّ و الغمّ و الأمراض النفسية! فهو يُصيب الطالبَ فيقطعَه عن استذكار دروسه ، فلا يطيقُ على الدراسة صبراً ، فتراه يبغي التخلص منها بأي وسيلة و إلى أي مَهرَب! و الملل قد يدفع الشباب و الفتيات إلى ولوج أماكن اللهو و الشبهة أو الدخول إلى مواقع السوء و القباحة على الانترنت أو التعارف عبره أو عبر الهواتف النقالة مع الجنس الآخر ، فيبدأ مسلسل الانهيار الأخلاقي! فإذا سألتهم عن سبب ذلك قالوا:الملل! ويُصيب الملل آخرين فيتركون ما كانوا عليه من العبادة و الدين ، فتراهم تاركين للصلاة بعد أن كانوا مؤدِّين لها ، هاجرين للقرآن بعد أن كانوا تالين له ، مُقصِّرين في عمل الصالحات بعد أن كانوا من السابقين إليها! و كثيرا ما يحدث هذا في رمضان مع أغلب الناس! إذ تراهم يبدأون الشهر المبارك بحماس إلى الصلاة و تلاوة القرآن فتمتلئ بهم المساجد ؛ ثم يفتر حماسهم بعد أيام قليلة منه فيَدَعون ما كانوا عليه و تعود المساجد إلى الخواء ، و يكونون من المحرومين! و قد يُصيب المللُ الرجل من زوجته ، و المرأة من زوجها ، فيحدث الطلاق و الخلع ، و قد يحدث ما هو أكبر و أخطر:العلاقات المُحرَّمة! بل من الناس من يمل من الحياة بأسرها بسبب بعض ما يعتريه فيها من مصاعب و مشاكل ، فيطلب الخلاص من حياته بدلاً من الثقة بالله و التوكل عليه و السعي بالأسباب المشروعة لحل ما أشكل عليه!
ما هؤلاء جميعا بالمؤمنين! فالملل يأتي في أغلب الأحيان من الفراغ! ليس فقط فراغ الوقت و إنما كذلك فراغ العقول و خواء النفوس لقلة الإيمان و الجهل بالدين و حب الدنيا! و النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل! أما المؤمن فليس عنده هذا الفراغ:لا في الوقت و لا في العقل و لا في النفس ، و الدنيا عنده هينة حقيرة ؛ لذا تراه دائما مُنشغلا بما يُفيد ، عاملا لآخرته! فالمؤمن ليس ملولا…بل شيمته الرضا و الصبر في كل الأحوال ، حتى إن كان غيره يسخطها و لا يطيق صبرا عليها! و هو وفيٌّ لكل المخلوقات:للإنسان و الحيوان و حتى الجماد!
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.