العاصمة

قصة قصيرة : عيناك… حكاية حب كونية

0
الكاتب د / محروس عامر
ما زالوا يتحدثون عني وعنك… ويسألون، ما زالوا يتهامسون. تَنقلُ اليّ وشوشتهم قطرات الندى
المتساقط على جبيني وقت الفجر فتوقظني! تخرجني من عالم احلامي الى عالم الحقيقة، حيث
وسادتي ومزهريتي وقلمي وأوراقي المتناثرة في كل مكان، وحيث فنجاني الذي لم يملّ الانتظار.
أو ربما، تنقلني من عالم الحقيقة حيث انتِ هناك، وحيث ينير القمر وجه الأرض وحيث الحب وحيث
الأمان. الى حلم أشعر فيه ان الجدران تضيق، وان الهمّ جبل راسخ فوق صدري، يزداد ثقله، يكتم
انفاسي، اصرخ في صمت وأئن أستحضر كل ما أعرف من آيات وتسابيح أحاول ان اتخلص من قيدي،
يغلبني النوم، اعود اليك. أو ربما أستيقظ! فكثيرا ما أجدني أضيع معك بين الحلم وبين الواقع. أعيش
معك في حلمي واحلمك بك وانا مستيقظ. أو ربما ملأتي كياني وصرتي معي في كل الأوقات لا تفارقني
عيناك واحادثك واسمع صوتك الحانا عذبة تبث من خلفية شلال تحيط به الزهور.

 

أعلم انكم تقولون أَنى أهيم بها وأقول إنكم صادقون. وأعلم انكم تتخيلون أن احضانها تحتويني وقت
المغيب، كما تحتويكم أحضان. وأنى ارتشف عسل شفتيها الممزوج بطعم الطلاء الوردي من الماركات
العالمية. وأني اقضي معها الليل أتسلق تلال نهديها المكسوة بعطور فرنسية. تتخيلون أنها كل ليلة
تترك العنان لجدائل شعرها، يتحول أحبال تلفني وتضمني اليها كما تفعل الغوانى في السهرات الليلية.
واني أمارس معها فحولتي وتنساب عليها قبلاتي فيضانا يروى عطش الأرض الصحراوية. تتهامسون أنها
تمارس معي الاعيب الانوثة، وأنها فتاة تلهو مع رجل خمسيني فيسكر بها، ويفقد معها حكمة عمره، وتنسيه
تجارب الزمن المرسوم بياضا في خصلات الشعر المتبقية. كم أنكم تائهون…! وبعدتكم عن الحقيقة الظنون…!
حبيبتي، حاولت كثيرا ان أوصفك لهم وان أجعلهم يشاركوني افكاري. يتفاعلوا معي في صمتي وكلامي. ما
أصعب وصف طعم العسل لمن لم يذقه وما أصعب رسم عطر الياسمين! أني أحاول ان أجعلهم يرونك بعيوني،
ان يلتمسون عيونك بين الحرف أو في فراغات الهوامش التي أحاطت بكلماتي. أبذل جهدي لأني أود ان ينالهم
قبسُ من نورك أو نفحة من عطرك.
أصدقائي، أني لا أحقد عليكم ولا اكرهكم حين تتساءلون وحين سوءً تظنون، فلا يدرك الانسان غير ما قد عايش من مشاعر ولا يتخيل العقل الا ما قد عرف سابقا من أشياء ميّزها بحواسه الخمس. وقد يتصور العقل أشياءً تكونت من تبادلات مواصفات قد عرفها مسبقا. فيستطيع العقل ان يتخيل برتقاله زرقاء، فهو قد رأى سابقا الون الأزرق ويعرف البرتقال. ولكن يصعب على العقل أن يتصور القبلة قبل ان يمارسها أو ان يشعر بألم الحريق قبل أن يكتوى. لذلك أشفق عليكم واعذركم حين تظنون.
سأوضح لكم ما أعنى، فقط قليلا من الصبر، لا تتعجلون، فاني أنتوى هذه المرة ان تصل اليكم فكرتي، وأني لأثق من انتقال حبها لكم وقد نجدنا في النهاية نتنافس على حبها، وأتوقع أن يدعى احدكم حبه لها وقد يراها من يحملون قلوب راضية رحيمة أمامهم وهم يقرؤون. أنتم أصدقائي تفكرون فيها وفق نظرية اقليديس عن الأرض المسطحة وكيف أن الأرض مركز الكون وأن الكون مسخر لخدمة من يقطنها، وتحسبون عمر علاقتنا وفقا لحسابات الزمن في فيزياء نيوتن وأن ما يجذبني اليها نفس القوة التي تجذب تفاحته الي الأرض وكلما حفر تحت التفاحة تهبط أكثر. ان ما تعلَمون عن علوم الحب وما مارستم وما درستم في المعاهد هي علوم تقليدية! علوم يحدها زمان ومكان علوم بالكاد تصلح ان تفسر أمور الحياة اليومية.
ان حبي لها هو ثورة غيرت قوانين العالم وفسرت حركة الاجرام السماوية. حبي لها جعلني اتثقف أن ابحث في ارجاء الكون الشاسعة وأن اغوص داخل النفس البشرية. أن حبي لها جعلني أقرأ كتب التاريخ من طوفان نوح وحتى الحقب المستقبلية. أني أحبكِ سيدتي وفقا لنظرية كوبرنيكوس حيث اثبت ان الأرض تدور حول الشمس وأن المدارات دائرية. أني أحبك وفقا لمعادلات اينشتاين بين الكتلة والطاقة وأن الزمن والأبعاد مقاييس نسبية. أدركت وجودك ليس بعقلي ولا بالتجربة التجريدية، فرغم صحة سبل الادراك لديهم الا انكِ لا يمكن ادراكك الا بيقين يقذف داخل القلب المتلهف. كما كتب عنه الشيخ الأكبر “ابن عربي” ومن وهبه الله نعمة الأدراك وكشف عنه حجاب النفس من أعلام الطرق الصوفية.
ان حبك فسر لي تكوين الاجرام وحركتها في مدارات وتسابقها في مسارات مغزليه. وأصبحت أعرف سر انحناءات الزمن في أعماق الكون وارتباطه بالمكان والأبعاد الرباعية والخماسية. معك عاينتُ تمدد الكون وكيف يصبح أكثر رحابة ويتسع في فضاءاته الكونية. بحبك حبيبتي، أستطيع ان أفسر كيف تخرج نبتة وسط الصخر وكيف يخرج من قلب البيضة الميتة فرخ وكيف بعد كل الظلمة ينبثق الفجر. وان انتهي حبك يوما ما، أو قررتِ الذهاب في صمت. أتخيل كيف سيكون العالم ان أصبحنا يوما ولم جدك معنا. يومها سيخرج علينا الثقب الأسود، يبتلع العالم كل العالم، يأخذنا داخله حيث اللا شيء فهنالك حيث لا يوجد زمان، هنالك يختفي المكان، هنالك ينتحر الحزن وتنهار الأحلام، هنالك تتلاشي كل المعاني وكل الاشياء وينعدم هنالك حتى الفراغ وتتحول الى لا شيء كل الاشياء.
أني احبك حبا عصريا بقوانين الفيزياء الكمّية، انتقل بك ومعك بين المجرات. نلهو فيها، نختبر الحب فوق الكواكب وعند انعدام الجاذبية، نتزلج فوق انحناءات الزمن، نتأرجح بين الحقب الزمنية فأمارس حبك وأنا طفل حينا وعندما تنتبه العيون نتأرجح فنتلاقى في الشباب او المشيب. هل جرب أحد منكم مذاق الحب قبل ان يٌخلق؟ تمتنع الكلمات عن الوصف! هل تخيلتم شعور الحضن بعد المغيب في عالم البرزخ؟ نسافر عبر الكون ملايين السنوات الضوئية ونستطلع ماذا سيكون شكل العالم بعد الاف السنين وكيف يمارس احفادنا العابهم وما يستحدث من طرق العشق وكيف ستزداد البنت أنوثة وكيف يكون العالم أكثر أمنا وتكون القلوب أكثر بوحا. ونعود للماضي نجرب “احجية الجد” حيث اجعلك تتلاشين، أنكر حبكِ، اكفر بقوانين النسبية، ثم أذهب معك لآلاف السنوات المستقبلية لنرى وجه العالم مقفرا بدون وجودك، نتنشر العتمة، ويموت الحب في قلوب العذارى، تحترق الشمس فتحتضن كواكبها محاولة إطفاء شوقها اليكِ. ثم تنتحر في احدى الثقب السوداء. فيسود الصمت الكون.
أراكم تعلمون الأن من اعشق وقد تتخلوا عن ظنونكم الحسّية. وتعذروني حين حاولت ان ابوح لكم ببعض منها وحين كتمت أكثر لصعوبة التعبير عن قصص العشق الأبدية. أني أحببتك وسأظل عاشقا لعينيك عشقا حداثيا ليس لأجلي فقط ولكن ليصبح العالم أجمل، ويظل مطره يهطل، ويظل الحب يغطي وجه الأرض بالأزهار والرياحين وتظل قلوب العذارى تنبض حبا يغازل وجه القمر في الليالي الصيفية.

اكتشاف المزيد من بوابة العاصمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

آخر الأخبار