الحفار
إيمان العادلى
الحلقة الثالثة
العقيد متقاعد أنور عطية أحد أبطال عملية تدمير الحفار يعود بذاكرته إلى الوراء، ويحكي القصة قائلا:
كنت حينذاك رائدا بالمخابرات الحربية، ومسؤولاً عن البحرية “الإسرائيلية” في فرع المعلومات، ووصلت لي معلومة تقول إن “إسرائيل” قامت باستئجار حفار بترول من شركة أمريكية، ليقوم بالتنقيب عن البترول المصري في خليج السويس، وأن هذا الحفار يعبر المحيط الأطلنطي في طريقه إلى الساحل الغربي لإفريقيا، وبدأت أتتبع أخبار هذا الحفار حتى علمت أنه رسا بميناء “داكار” بالسنغال، وأن قاطرة هولندية تقوم بسحبه.
على الفور أبلغت مدير المخابرات الحربية، الذي أبلغني بدوره بأنني مدعو لإلقاء محاضرة عن الحفارات البحرية في هيئة الخدمة السرية بالمخابرات العامة، وحينما ذهبت اكتشفت أنها لم تكن محاضرة، ولكنها كانت اجتماعاً على أعلى درجة من السرية، وكان يضم رئيس هيئة الخدمة السرية في المخابرات العامة، ورئيس هيئة المعلومات والتقديرات، وأحد ضباط المخابرات الحربية وكان متخصصاً في أعمال النسف والتدمير.
ويستطرد: كان لا بد لي من وضع عدد من الخطط لتدمير الحفار لنضمن نجاح العملية وكانت الخطة الأولى تعتمد على أن يتم اختيار مجموعة من الضفادع البشرية، وأن نستعين بألغام قامت بتطويرها القوات البحرية المصرية، بإضافة ساعة توقيت لها على أن تسافر مجموعة التنفيذ تحت سواتر مختلفة، وكل فرد فيها يسافر بصفة تختلف عن الآخر، ونتسلل إلى الميناء الموجود به الحفار ونضع الألغام تحت جسمه لتفجيره، والغريب أن الخطة رغم أنها كانت تعتبر بدائية جداً وساذجة، لكنها هي التي نفذت.
إلى جانب هذه الخطة كانت توجد ثلاث خطط أخرى بديلة في حالة فشلها، وكانت الخطة الثانية تعتمد على استدعاء إحدى سفن الصيد المصرية من أعالي البحار، وأن يوضع عليها طاقم الضفادع البشرية والألغام، وتتبع المركب الحفار لاسلكياً في المحيط، وحينما يدخل أي ميناء تدخل وراءه وتلغمه وتدمره، بينما كانت الخطة الثالثة تعتمد على استئجار يخت في الميناء الموجود به الحفار، وان تقيم المجموعة المكلفة بالتفجير حفلاً صاخباً فوق اليخت، وأثناء الحفل ينزل أفراد الضفادع لتلغيم الحفار ثم يرحل الجميع باليخت بعيدا.
ويقول: كانت الخطة الرابعة هي التي يتقرر تنفيذها في حالة هروب الحفار، وتنص على ضرب الحفار بالمدافع “الآر بي جي” عند دخوله البحر الأحمر، وقد كان لدينا في الصاعقة البحرية والضفادع البشرية أفراد مدربون على هذه المدافع تدريباً عالياً جداً، وكان من المقرر تحميل هذه المدافع على قوارب “الزود ياك”. وأضاف رئيس هيئة المعلومات والتقديرات خطة خامسة، وهي أن تخرج طائرة مصرية تتمركز في ميناء عدن، ويتم ضرب الحفار بالطيران في حالة هروبه من كل المراحل السابقة.
أردف «عطية»: «كان من المقرر أن نحمل معنا أربعة ألغام وستة أجهزة تفجير من القاهرة إلى داكار مع الوقوف ترانزيت بمطار أمستردام، لعدم وجود خطوط طيران مباشرة بين القاهرة والدول الأفريقية وقتها وكنت أنا الذي سيحمل الألغام، على أن يسافر الباقون على دفعات وسبقنا إلى داكار محمد نسيم وأحمد هلال».
اعتبر عملية نقل الألغام من مصر إلى «داكار» من أخطر خطوات العملية: «الألغام داخل كل واحد منها 16 كيلو جراما من مادة T.N.T وهي أربعة، وكان معي ستة أجهزة تفجير حساسة جدا يمكن أن تنفجر من أي احتكاك بالإضافة إلي ملابس الضفادع البشرية»، ليوضح: «وضعت المخابرات العامة التي وضعت الألغام والملابس والمعدات في حقائب، مع تغطية الألغام بمادة تمنع أي أجهزة للكشف عن الحقائب من كشف ما بداخل الحقيبة، ووضعت أقلام التفجير داخل علبة أقلام أنيقة جدا داخل جيب الجاكيت الذي ارتديه».
ما أن وصل «عطية» إلى مطار «داكار» فوجئ باستقبال ضابط المخابرات الشهير محمد نسيم له هناك، لكنه حمل إليه خبرا صادما: «قال لي إن الحفار غادر داكار.. كانت صدمتي لا توصف».
من المقرر أن يتوجه عطية إلى «فرانكفورت» بألمانيا ومنها إلى مصر، لكن مكتب مصر للطيران أُغلق بعد ساعات من وصوله إثر تفجير طائرة تابعة للخطوط الجوية الألمانية حينها، ليبقى «عطية» في المطار بألمانيا ومعه المتفجرات، قبل أن يلاحظ أحد الضباط الألمان وقوفه لمدة طويلة، حينها طالبه بضرورة خروجه من المطار، إلا أن «عطية» أبلغه بانتظاره لأي رحلة تقله إلى دولة فيها تمثيل دبلوماسي مصري لحمله أوراقا هامة، إلى أن وصلت طائرة متوجهة إلى أثينا فاستقلها.
تابعونا غدآ