أبو علم المناعة
كتبت إيمان العادلى
الطبيب هذا اسمه “إدوارد جنر Edward Jenner” في 26 يناير سنة 1823 توفى إدوارد جنر بعدما أنقذ من البشر عدد مأنقذوش حد قبله و لا بعده.. و بعدما حمل طول حياته لقب فريد…دلوقتي
الأن نحن سنة 1774
كان الجدري وباء.. الناس لما بتسمع عن الجدري دلوقتي بتتخيل اسبوعين طفح جلدي يدهنوه صبغة يود مع شوية حرارة و بيروح لوحده…
الحقيقة اللي انت بتشوفه علي الأطفال في الحضانات دا شيء آخر.. شيء ضعيف مسالم جدا اسمه “جدري البقر cowpox”…
“أما الجدري smallpox”، اللي في الصورة دا.. فهو شيء مروع.. و تقريبا أول مرض علي الإطلاق ينتصر علي البشر.. فتك وشوه وسبّب العمى لملايين الضحايا عبر تاريخه الطويل.. و لحد دلوقتي مالوش علاج..
الفايرس من قوته كان بيستخدم كسلاح بيولوجي.. استخدمه كورتيز عند احتلال المكسيك. و في عام 1763 استعملت القوات البريطانية في أمريكا فيروس الجدري كسلاح بيولوجي ضد الهنود الحمر فيما عرف بحصار “فورت بيت Siege of Fort Pitt”.. في الحرب العالمية الثانية حاولت أمريكا و إنجلترا استخدام الجدري مرة أخرى كسلاح بيولوجي.. بس لحسن الحظ كان المتطعمين منه كتير.. و كان اللي مش متطعمين بيعملوا حاجة تقيهم من المرض..
كانوا “بياكلوا” بعض البثور لمرضى مصابين بجدري البقر.. و دا أفقد السلاح فعاليته…
“إدوارد جنر” كان في عصر الجدري فيه بيبيد مدن.. بتسمع كتير عبر التاريخ عن مدينة أبيدت بالطاعون.. النهاردة الطب بيقولنا إن معظم الحالات دي مكانتش طاعون.. كانت إما جدري أو “تيفوس وبائي”.. النهاردة ممكن تقضي علي التيفوس بجرعة واحدة من مضاد حيوي زي “التتراسيكلين Tetracycline “.. بس في عصور ما قبل المضادات الحيوية كان بيبيد مدن و يحرقوا الجثث بالبيوت أو المصابين…
المهم إن “جنر” لاحظ مع الوباء ملحوظة مهمة…
في مهنة اسمها “الحلابة cowmaid”.. اللي هي الست اللي بترعي الأبقار و تحلبها.. و في مصر بنسميها بالعامية “الحلبية”.. جنر لاحظ إن الحلبيات دول مابيجيلهمش جدري…
سافر “جنر” عشان يدون ملحوظاته حول القرى و لاحظ إن الحلبيات مهما ضرب الجدري البلد أو القرية بيفضلوا أصحاء…
“جنر” اكتشف ان الحلبيات دول معظمهن بيجيلهم “جدري البقر”.. و بشكل ما بيحميهم من الإصابة بالجدري…
“جنر” جاب حلبية من دول اسمها “لوسي نلميس Lucy Nelmes” مصابة بجدري البقر.. بعدما المرض جالها من بقرة اسمها “بلوسوم Blossom”.. بلوسوم دي جلدها متعلق النهاردة في مكتبة جامعة سان جورج للطب..
جاب “جنر” الحلبية.. و جمع من البثور اللي عندها شوية صديد.. و بعدين جاب ابن البستاني بتاعه اللي عنده 8 سنين “اسمه جيمس فيلبس”.. و خدش دراعه و دس في الجرح بعضاً من الصديد دا.. و بدأ يدون ملاحظاته…
الولد باختصار جاله جدري البقر.. حمي و طفح.. بس مش بالصورة المروعة المعروفة في الجدري.. و بعدين شفي..
هنا “جنر” عمل حاجة جديدة.. حقن الطفل بجرعة من الجدري المميت، حصل عليها من مريض جدري.. و الطفل ماحصلوش حاجة.. الولد دا إتشهر لاحقا بأنه أول إنسان اتطعم ضد الجدري في التاريخ…
بعد نشر الأبحاث استاء البعض من إنه أجرى التجربة علي طفل.. لكنهم اتفاجئوا لما كملوا البحث إن جنر كان أجرى التجربة علي نفسه و زوجته و أولاده الإثنين أولا…
بعد نشر البحث و نتائجه منحه ملك إنجلترا مبلغ 10 آلاف استرليني عشان يكمل أبحاثه.. و بعدها 20 ألف أخرى.. و دا كان مبلغ رهيب وقتها.. لو تخيلت إنك ممكن وقتها تجهز الجيش البريطاني بالكامل بمبلغ 30 ألف جنيه استرليني…
طبعا اتطور التطعيم.. و بقى بياخده الأطفال بشكل دوري و معتاد.. بنفس طريقة جنر.. خدش الدراع و دس نوع من فيروس الجدري.. و أي حد من مواليد ما قبل 1980 حيلاقي علي دراعه أعلى العضد ندبة التطعيم المميزة دي.. في دكاترة عندها شوية مخ كانت بتعملها في الفخد في مكان غير ظاهر…
سنة 1979 أعلنت منظمة الصحة العالمية اختفاء الجدري من الوجود.. و اتوقف التطعيم بتاعه خلاص.. ماعدا عينتين منه محفوظتين في معامل السي دي سي في الولايات المتحدة و المعامل الحكومية الروسية للذكرى.. قام بشأنهم جدل رهيب.. لأنه لو تم تدميرهم.. يختفي الجدري فعلا من سطح الكوكب.. بس الحكومتين شايفين إن ضرر تدمير الفايروس أخطر بكتير من الاحتفاظ به..
لو قامت حرب بيولوجية النهاردة و استعمل فيها فايرس الجدري.. دا معناه إبادة كل مخلوق بشري اتولد بعد سنة 1979 من علي سطح الأرض…
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.