وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي
كتب: المستشار/ هشام فاروق رئيس محكمة استئناف الإسكندرية.
يقول الله تعالى على لسان الخضر عليه السلام مخاطبا نبي الله موسى عليه السلام وهو يُخبره بتفسير الأفعال التي أتاها واعترض عليها موسى:”أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا”(الكهف – الآيات 79-82)
إن الخضر حينما تحدث عن تعييب السفينة قال:”فَأَرَدتُّ” مستخدما صيغة المفرد ؛ وناسبا الأمر إلى نفسه ؛ وحينما تكلم عن قتل الغلام وإبدال الله تعالى للأبوين المؤمنين بغلام خير منه قال:”فَخَشِينَا” ؛ “فَأَرَدْنَا” مستخدما صيغة المثنى ؛ وحينما تكلم عن إقامة الجدار للغلامين اليتيمين قال:”فَأَرَادَ رَبُّكَ” ناسبا الأمر إلى رب العزة تبارك وتعالى وحده…فما سبب هذا التغاير والتباين؟!
الإجابة تكمُن في التأدب مع رب العزة جل وعلا! فلما كان تعييب السفينة – في نظر الناس – شرا محضا نسبه إلى نفسه وحده تأدبا مع الله تعالى أن ينسب إليه ما يراه الناس شرا ؛ ولما كان قتل الغلام ، وإبدال والديه المؤمنين خيرا منه أمرين أولهما – في نظر الناس – شر محض (قتل الغلام) ، وثانيهما خير محض (إبدال والديه خيرا منه) أتى بصيغة المثنى لينسب الشر إلى نفسه ، والخير إلى ربه جل وعلا ؛ أما إقامة الجدار للغلامين اليتيمين فهو – في نظر الناس – خير محض ، فنسبه إلى الله تبارك وتعالى وحده! ثم بيَّن لموسى عليه السلام أن كل ما فعله لم يكن عن أمره واختياره وإرادته وتدبيره ؛ وإنما هو أمر العليم الخبير وتدبيره! قال:”وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي”. وهكذا يكون حسن التأدب مع الرب الأعلى سبحانه وتعالى!
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.