العاصمة

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ

0
بقلم / محمــــــد الدكــــــرورى
إن النصر من عند الله وهو سبحانه وتعالى مع عباده المتقين وهو عز وجل الذى يقول ( إن تنصروا الله ينصركم ) فالنصر لا يأتى الا من عند الله وهو الذى نصر عبده
وأعز جنده وهو الذى هزم الاحزاب وحده لا اله الا الله وحده لا شريك له وكان فتح مكة نصراً عظيماً لعقيدة الإسلام على عقيدة الشرك، ونصرت فيه كلمة الحق
على كلمة الباطل، وأعزّ الله به رسوله وجنده المؤمنين، ولم يكن انتصاراً لذات أحد بعينه أو ثأرا لشخص ما، بل كان فتحًا مبينًا فتح الله به حصون الشرك، كما فتح
قلوب أهل مكة لكلمة التوحيد.
وفي فتح مكة جمع الله تعالى لرسوله بين الفتح والنصر، ففي غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم السابقة للفتح نجد أن القرآن تحدث عن النصر في بدر، فقال
تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ وفي غزوة أحد صدق الله وعده المؤمنين في أول المعركة، فقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ﴾
أما في غزوة الأحزاب فقد سمى القرآن انتصار المؤمنين نعمة، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا
وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾ وفي غزوة حنين قال تعالى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا ﴾.
أما في غزوة فتح مكة فقد قرن الله تعالى النصر مع الفتح فقال: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ
إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾
والنصر هو: الإعانة على تحصيل المطلوب، والفتح هو: المطلوب، فقدم النصر على الفتح وقيل النصر: الإغاثة والإظهار على العدو، والفتح فتح البلاد، والمعنى نصر
رسول الله صلى الله عليه وسلم على العرب أو على قريش وفتح مكة.
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله:
وسورة النصر تحمل بين آياتها بشارة وأمرا للرسول صلى الله عليه وسلم، أما البشارة فهي إخباره بنصر الله تعالى له، وفتحه مكة، ودخول الناس في دين الله
أفواجًا، بحيث يكون الكثير منهم من أهله وأنصاره، بعد أن كانوا أعداءه، وقد وقع هذا المبشر به.
أما الأمر بعد حصول وتحقق النصر والفتح واجتماع الناس على دينه، بالتوجه إلى ربه بالشكر والتسبيح بحمده تعالى والاستغفار.
كما تحققت بفتح مكة البشارات الإلهية المُتَضَمنة في بعض الآيات الكريمة، كتبشير الله للمؤمنين بالغلبة والغنم، كقوله تعالى:
﴿ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا *
وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ فهذه وإن اختلفت الروايات في تحديدها، فأقرب
ما يناسب السياق أن تكون فتح مكة، التي استعصت عليهم من قبل وهاجمتهم في عقر دارهم ثم أحاط الله بها، وسلمها لهم بلا قتال.
وكذلك ما بعثه الله في نفوس المؤمنين من الرجاء بإسلام أهلهم وأقربائهم، فتتحول النفرة بينهم إلى مودة، والبغض إلى محبة وتتآلف القلوب بعد العداوة
والقساوة كما قال تعالى: ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ومنها الآيات التي تأمر بالقتال وتبشر بأن
النصر والغلبة سيكون للمسلمين، وأنه لا بد آت يوم تضع الحرب فيه أوزارها، كما في قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ
فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾، وذلك حين يبين الله تعالى أنه سيكون هناك وقت تضع الحرب فيه أوزارها، أي تضع الحرب أثقال
أهلها المشركين، بأن يتوبوا إلى الله من شركهم فيؤمنوا به وبرسوله ولا يبقى هناك شرك.
وكقوله تعالى: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ﴾ وفي هذه الآيات يأمر الله المسلمين
بإخراج المشركين من حيث أخرجوهم أي من مكة، فأخرجهم المسلمون يوم الفتح… فاللهم أعز الاسلام والمسلمين
وأعلى بفضلك وكرمك كلمتى الحق والدين يا رب العالمين ….

اترك رد

آخر الأخبار