العاصمة

هيروشيما ~كورونا . درسا للتاريخ

0

 

كتب :على امبابى

 

اذا كان كل من تاب لخوف العقوبة فهو صاحب توبة، فكل من تاب طمعا لثواب فهو صاحب إنابة، لأن كل من تاب مراعاة للأمر، لا خوفا من عقاب او طمعا في ثواب، فهو صاحب اوبة .

 

اذا ماهى العلاقه بين هيروشيما وكورونا ؟

 

عام ١٩٤٥ (القرن ال٢٠) استخدمت امريكا القنبلة الذرية في هيروشيما ثم ناجازاكي، لاجبار اليابان على الاستسلام، لتكون اللقطة الاخيرة في انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبدأ عصر الحرب الباردة وترسيم ال٥٠ سنة الباقية من القرن ال٢٠، وبدء ظهور مصطلح القوى الاعظم والأكبر، في اعادة تخطيط الكوكب من خلال اشكال جديدة للاستعمار والهيمنة والتبعية والتفليك (الدوران داخل الفلك).

 

بالتدبر، كانت هيروشيما سببا وليس نتيجة للحرب! سببا لتراجع اليابان خوفا من استكمال التدمير الشامل، وسببا لتوقف الحلفاء عن التدمير استشرافا لثواب تقسيم كعكعة العالم الجديد! وهو ما يمكن اعتباره نوعا من (توبة) اليابان للخوف من العقوبة، و(إنابة) الحلفاء طمعا في ثواب الغنيمة!

 

في ذات العام، صرح علماء الطبيعه بان هيروشيما ونجازاكي لن يصلحا للعيش او الزراعة لمدة ٧٠ عاما، وفي خريف ١٩٤٥، خرجت من الارض الميتة اعشابا برية على عكس توقعاتهم ثم ازهرت اشجار الدفلي في الصيف اللاحق، ونبتت اشجار الكافور القديمة! وكانت هذه شرارة الامل لليابانيين في تحويل استسلامهم في الحرب، خوفا من التدمير الشامل وهزيمتهم في حرب القرن ال٢٠، الي تبني واعلان ونشر منهج اعادة بناء سلام حقيقي، بتكاتف واقعي لتجاوز اهوال الحروب. اليابان طبقت هذا المنهج مراعاة لامر الانسان وحقه في الحياة بسلام، لا خوفا من عقاب التدمير الشامل ولا طمعا في اللحاق بنصيب من كعكعة العالم الجديد.

 

ما فعلته اليابان كان اعلانا لتوبتها عن الحروب والتدمير، إعمارا للانسان في الارض، فكان (أوبة) سخرت لها العلم والنظام والالتزام والتقنية في خروجها للمجتمع الدولي لاحقا، اكثر تقدما ونظافة وترتيبا وجودة. فأوبة اليابان كانت مراعاة لأمر وجود الانسان ذاته وليس خوفا منه او طمعا فيه.

 

في اخر فبراير ٢٠٢٠، انطلق فيروس كورونا من الصين، ليتسبب في اعصار عالمي يهدد بوباء يفوق اثار هيروشميا! ورغم وجود علامات استفهام حول تدجين ثم (إهداء) امريكا لهذا الفيروس الي أسيا مع بدايات القرن ال٢١ (استشرافا لاحداثيات جيوسياسية واقتصادية جديدة بهذا القرن)، الا ان الصين من مستوعبي دروس هيروشيما، وطبقت على المحنة منهج (الأوبة) الذي يلتزم بمعالجة الحدث، مراعاة لخطر ابادة شعبها وحضارتها، وليس خوفا من الموت في حد ذاته او طمعا في تصدير مصل العلاج للعالم والتحكم في اقتصادياته لسنوات قادمة!

وحسمت الصين محنتها (رغم كونها اكبر كثافة سكانية علي الكوكب) وحلق الفيروس ليستعمر اوربا وامريكا وباقي العالم! كما لو كان كورونا هو لقطة قنبلة هيروشيما، التي ستحدد ملامح باقي عقود القرن ال٢١!

 

منهج هيروشيما في (الأوبة) هو الحل الوحيد للبشر في التصدي لكورونا.

 

وماهو الحل؟

 

ليس الحل في التوبة الان خوفا من العقاب الالهي وطلب الرحمة المطلقة لتتصرف ونحن مستمرين في ذات الخطأ او مستخفين به! ليس الحل في التوبة طمعا في فك الازمة لمعاودة الكسب والغي والخطأ! إن لم تكن توبتنا مراعاة لنعمة وجودنا وأصل الصواب، بتصحيح مسارنا ورفع المظالم ورد الحقوق، وحظر الفواحش، وإفلات العدالة من قيود الطمع والسُخرة والهيمنة، فلا ضامن او ضمان لانتهاء الأدب الالهي، بعد عقود مستمرة من الغي والفحشاء والظلم.

 

هل من أمارات لحتمية الأوبة، اكثر من الزام الفيروس لسد كل مصادر الخطأ والفواحش، ويكون من اسباب علاجه استمرار النظافة والتطهر والتحوط في الاختلاط، وجبر البشر ـ بغض النظر عن جنس ولون ودين ودولة ـ علي التكاتف والتعاون وتبادل الخبرات لحل الازمة؟

 

هل تكون اكثر من ان يكون التصدي له بالخروج من حال الخوف والهلع من (الموت) او الفرار منه، لاستكمال حالة (الموات الاخلاقي والقيمي)، الي الدخول في حال (الوعي) بالنعم والمحافظة عليها واعادة تخطيط باقي سنوات القرن، بما تستحقه ايام الله من ان يعيشها بشر جديرون بها؟

 

فهل يكون كورونا نعمة الله الي الانسان في القرن ال٢١؟

فينقلنا من التوبة والانابة عن خطأنا في الهدايا المُدجنة واحتكارتنا المغلفة، وتطرفنا المُعلب، واستغلالنا المقنن، وظلمنا المُشرع، وتدميرنا الممنهج، وفُحشنا الملون، ووعينا الموجه، وكلها مآسي من براعة، تغول نسيجها فنعيشها، ويمكن نتطلع لاستئناف حياتنا بعد زوال المحنة كما كنا،

 

وينقلنا الي جعلنا بشرا أوابين، ننتهج الحق والصراط، بمراعاة أمر حفظ نوعنا وحياتنا وصحتنا واقتصادنا؟ فنتجاوز التوبة لعدم العقاب والإنابة لطمع المغفرة، الي أوبة الاستمرار بنظام محلي/اقليمي/عالمي عادل او اقرب ما يكون له، بأن نتحول تدريجيا الي جعل الأوبة نظام حياة.

 

اذا كانت هيروشيما رسالة من رسائل الله بعثها على يد امريكا من ٧٥ سنة، استوعبها قليل من البشر، ولم يتعلم منها باقيهم، فكورونا ٢٠٢٠ انذارا وليس رسالة من ذات المصدر مع اختلاف نوع الحرب! فالقنبلة اليوم عالمية، متجاوزة، شاملة، حاصدة لارواح واقتصاد ومغيرة لتاريخ يقبع على جغرافيا في طريقها للتحول بدورها!

 

ومع ذلك، في قلبي يقين بان الارض ستجتاز بعون الله محنة كورونتها، سيكمل الخليفة رسالته عليها، ستخرج بذور جديدة من رحم الخوف والهلع والموت، سيتوب الكثيرين وينيب أكثر، وقلة من سيكونون من الأوابين، الواعين بحقيقة الدرس ومغزي الرسالة، بانه اذا كانت هيروشيما ذكري تجبر الانسان، فسيكون كورونا ذكري قدرة الله علي تجبره!

 

لن يكلفنا ان نكون أوابين وننجو، اكثر من الوعي بنوع (التوبة) التي نحتاجها؟ فلا نكتفي بالدعاء والتواكل والتسليم السطحي مع استمرار نية الرجوع طمعا في الاستمرار (التوبة والانابة)! ولكن تحويل توبتنا، لوعي ايجابي جاد، بالتزام نصائح مقاومة الفيروس، منهجا لحياتنا بعد ذلك، فتكون أوبة حياة ايجابية عادلة وليس توبة وإنابة انقاذ!

 

محور نصائح مقاومة الفيروس هي؛ وقف الخوف او الهلع منه، التزام النظافة وعدم الاختلاط، اتباع تعليمات اولي الامر في الحركة والانتقال، التعامل مع الازمة بوعي وجدية، تبادل التعاون بالمعلومات والاخبار الصحيحة، رصد ووقف الشائعات، عدم احتكار الاغذية وعدالة التوزيع، دعم الاخرين وانقاذهم كيفما استطعنا، وقف الجشع واستغلال الظروف وتجارة الازمات. تخيلوا ماذا سيكون شكل مصر والعرب والمسلمين والعالم في باقي القرن ال٢١، اذا تحولنا لأوابين في منهج حياتنا؟

 

لن ينتهي الطمع او يموت الاستغلال، لن تتوقف الحروب او تقنع التوسعات او تتعقل الاضطهادات! لن ينتهي الفُحش او يزول الافك! لن يتوقف اتباع ابليس عن طرح اسئلته السبعة!!

 

ولكن الامل الوحيد ان يظهر بشرا جديدا بروح هيروشيما! روح الامل الذي خرج مع بزوغ النبت من الارض الميتة، وكان سببا في أوبة تجربة هيروشيما واليابان بأكملها للاشراق علي العالم بمعني الانسان. استمر صراع الخير والشر في اليابان، ولكن منهج الأوبة يسمح لها دوما بالتدارك، السيطرة، اليقظة، الوعي الكفيل بالانقاذ.

 

سيكون كورونا ٢٠٢٠، هي الأوبة التي يحتاجها القرن ال٢١ ذاته لتُكمل الدنيا دورتها المقدرة.

 

فلنعي، نتدبر، ونأوب .. فالنجاة تنتظرنا قريبة، ولنكن اذا (نعم العبد، أنه أواب) …

 

فابدأ بنفسك

اترك رد

آخر الأخبار