نحو بيئة عمل آمنة وصحية
بقلم د : خالد السلامي
في عالم سريع التغير، حيث تتشابك التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، يبرز اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل كدعوة ملحة لإعادة التفكير في أولوياتنا وتوجيه جهودنا نحو هدف نبيل: ضمان بيئة عمل آمنة وصحية لكل فرد. هذا اليوم، الذي نحتفل به في 28 أبريل من كل عام، يذكرنا بأن تعزيز السلامة والصحة المهنية ليس مجرد التزام أخلاقي فحسب، بل هو أيضًا استثمار استراتيجي في رأس المال البشري والتنمية المستدامة.
لماذا تعتبر السلامة والصحة في مكان العمل أولوية قصوى؟
إن العلاقة بين ظروف العمل وصحة ورفاهية العمال هي علاقة وثيقة لا يمكن تجاهلها. فعندما يشعر العامل بالأمان والاستقرار في بيئة عمله، ينعكس ذلك إيجابًا على كفاءته وإنتاجيته وولائه للمؤسسة. وفي المقابل، فإن الظروف غير الآمنة والضارة بالصحة تؤدي إلى تداعيات وخيمة، ليس فقط على العمال وعائلاتهم، ولكن أيضًا على الاقتصاد الوطني ككل. فالتكاليف الناجمة عن حوادث العمل والأمراض المهنية تثقل كاهل الشركات والنظام الصحي، في حين أن الاستثمار في السلامة والصحة المهنية يعود بالنفع على الجميع على المدى الطويل.
الإطار التشريعي والرقابي: دور الحكومة في حماية العمال
تضطلع الحكومات بدور محوري في وضع الأسس القانونية والتنظيمية لضمان امتثال أماكن العمل لمعايير السلامة والصحة المهنية. في دولة الإمارات العربية المتحدة، تتصدر وزارة الموارد البشرية والتوطين الجهود الرامية إلى تطوير وتحديث اللوائح المنظمة لبيئة العمل بما يواكب المستجدات العالمية. وتشمل هذه الجهود إجراء حملات تفتيشية منتظمة للتحقق من التزام المنشآت بمعايير السلامة والصحة، وفرض عقوبات صارمة على المخالفين. كما تعمل الوزارة على تعزيز الوعي بأهمية هذه المعايير من خلال برامج التوعية والتدريب المستمر.
المسؤولية الاجتماعية للشركات: دور أصحاب العمل في خلق بيئة عمل آمنة وصحية
لا يقتصر دور أصحاب العمل على توفير فرص العمل فحسب، بل يمتد ليشمل ضمان سلامة وصحة موظفيهم. وهذا يتطلب تبني نهج استباقي وشامل لإدارة المخاطر المهنية، بدءًا من تقييم المخاطر وتوفير معدات الحماية الشخصية، وصولاً إلى تدريب العمال على إجراءات السلامة وإجراء الفحوصات الطبية الدورية. كما يتعين على أصحاب العمل غرس ثقافة السلامة في صميم القيم المؤسسية، وتشجيع العمال على المشاركة الفاعلة في وضع وتنفيذ استراتيجيات السلامة والصحة المهنية.
العامل: الشريك الأساسي في تعزيز السلامة والصحة المهنية
لا يمكن تحقيق بيئة عمل آمنة وصحية دون مشاركة العمال أنفسهم. فهم الخط الأمامي في مواجهة المخاطر المهنية، وبالتالي فإن التزامهم بإجراءات السلامة واستخدامهم الصحيح لمعدات الحماية الشخصية هو أمر بالغ الأهمية. كما يتعين على العمال الإبلاغ عن أي مخاطر أو حوادث يواجهونها، والمشاركة بفاعلية في برامج التدريب والتوعية التي توفرها الشركة. ومن خلال الحوار البناء وتبادل الأفكار، يمكن للعمال المساهمة في تحسين ظروف العمل وتعزيز ثقافة السلامة.
الإمارات: نموذج رائد في تعزيز السلامة والصحة المهنية
تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة جاهدة لتكون نموذجًا يحتذى به في مجال السلامة والصحة المهنية. وقد انعكس هذا الالتزام في العديد من المبادرات الوطنية الطموحة، مثل “جائزة الإمارات للسلامة والصحة المهنية” التي تكرم المنشآت المتميزة في هذا المجال، و”معهد السلامة والصحة المهنية” الذي يوفر التدريب والاستشارات المتخصصة. كما تحرص وزارة الموارد البشرية والتوطين على تنظيم حملات توعوية مستمرة لنشر ثقافة السلامة والصحة في مختلف القطاعات.
نحو المستقبل: التصدي للتحديات الناشئة في عالم العمل المتغير
على الرغم من التقدم الملحوظ في تعزيز السلامة والصحة المهنية في دولة الإمارات، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً أمامنا. فهناك حاجة ماسة لرفع مستوى الوعي لدى بعض أصحاب العمل والعمال حول أهمية هذه القضية، وتطوير آليات رقابية أكثر فاعلية وشفافية. كما يجب مواكبة التحولات المتسارعة في عالم العمل، لا سيما في ظل الثورة الصناعية الرابعة والتحول الرقمي، والتصدي للمخاطر المستجدة مثل الإجهاد الرقمي والمخاطر النفسية-الاجتماعية.
في هذا اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل، دعونا نجدد التزامنا بهذه القضية الإنسانية النبيلة. فكل فرد يستحق أن يعمل في بيئة آمنة وصحية، تصون كرامته وتمكنه من تحقيق إمكاناته الكاملة. وبتضافر جهود الحكومة وأصحاب العمل والعمال، وتبني نهج استباقي قائم على الوقاية والتحسين المستمر، يمكننا تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس. فلنعمل معًا من أجل مستقبل أكثر أمانًا وصحة وازدهارًا للجميع، ولنجعل من دولة الإمارات نموذجًا يحتذى به في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مجال العمل اللائق.
المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وحاصل على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم وحاصل على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي 2023 وعضو اتحاد الوطن العربي الدولي.