العاصمة

في رحاب السنة النبوية

0

اسلام محمد

عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) صحيح البخاري، برقم:(6011)، وصحيح مسلم، برقم:(2586), واللفظ له.
فمثل المؤمن في توادهم أي المحبة الموجودة المتمكنة في القلوب فيما بين المسلمين، فالمسلم يحب أخاه، والنبي ﷺ قد بين هذا المعنى بياناً شافياً فقال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[2]، وبين النبي ﷺ أيضاً أن الإيمان متوقف على المحبة، فقال: لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم[3]، فبين النبي ﷺ في هذا الحديث الأسباب الجالبة للمحبة، بقوله: أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم، فالمقصود أن من مقاصد الشريعة وجود المحبة بين المسلمين، أما التباغض وتنافر القلوب فهذا خلاف مقصود الشارع، فإذا كان ذلك في البيت الواحد بين الإخوان، أو بين الوالد وولده والزوج وزوجه، والقريب وقريبه فلا شك أن هذا جرم عظيم، ومخالفة كبيرة، وأن الله  لا يرضى ذلك من العبد، وكلما قويت القرابة وجب أن تكون المحبة أقرب إذا وجد الإيمان، فيحبه لقرابته ويحبه لإيمانه، والعاقل المؤمن لو أنه جعل له ميزاناً وهو أن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه دائماً، ويضع نفسه موضعهم في كل شيء، إذا خاطبهم ينبغي أن يضع نفسه في مقامهم، وإذا عاتبهم يضع نفسه مكانهم، وإذا جاءوا لحاجة وكان بيده سلطة أو نحو ذلك، فجاءوا إليه لقضاء حوائجهم ينبغي أن يضع نفسه مكانهم، ، فالمؤمنون يتوادون ويتراحمون ولم تنزع الرحمة من قلوبهم، إذا رأى بأخيه ضراً من فقر أو حاجة أو وقع في مشكلة ما فلا يشمت به، وإنما ينبغي أن يرحمه، ويتألم لما وقع به، ويجتهد في دفع ذلك عنه بقدر المستطاع، وهكذا التعاطف بأن يعطف بعضهم على بعض.
وانظر كيف مثلهم النبي ﷺ بالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر، ألا تلاحظ كيف التداعي؟ إذا انجرح في الجسد عضو تبدأ الحرارة ترتفع، ويظهر آثار المرض في الجسد كله، وتبدأ الغدد اللمفاوية تتضخم في بعض الأجزاء من أجل أن تحاصر هذه الجراثيم، كل هذا من أجل جسد واحد.
وجاء في رواية في صحيح مسلم في هذا الحديث أن النبي ﷺ قال: المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينُه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه[4]، وهكذا ينبغي للمسلم لما يسمع عن جاره أو عن قريبه أو عن أحد من إخوانه المسلمين أنه في بلوى أن يذهب إليه فيواسيه ويقدم له ما يحتاج إليه، ويخفف عليه مصيبته التي نزلت عليه، وأما القسوة والإعراض والتناسي والتجاهل للآخرين فهذا ليس من صفات المسلمين، وكلما خف الإيمان في قلوبنا وطغت المادية كلما ضعفت هذه المشاعر في المجتمع
من فوائد الحديث:
1- تَعْظِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض, وَحَثّهمْ عَلَى التَّرَاحُم وَالْمُلَاطَفَة وَالتَّعَاضُد فِي غَيْر إِثْم وَلَا مَكْرُوه.

2- أن من مقتضيات الإيمان العمل بما تستلزمه الأخوَّة بين المؤمنين من التراحم والتوادد والتعاطف، وأن التقصير في ذلك و التهاون فيه ضعف في الإيمان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- ولهذا كان المؤمن يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوؤهم ومن لم يكن كذلك لم يكن منهم(
مجموع الفتاوى 2/373 .)
4- أن على المسلم أن يجتهد في تطهير قلبه نحو إخوانه المسلمين؛ فيفرح بوصول الخير إليهم، ويتألم أن أصابهم ما يضرهم أو يؤلمهم، ويقف معهم في مصائبهم وما ينزل بهم، فيغيث المحتاج، وينصر المظلوم، ويعين ذا الحاجة، ويتعاون معهم على الخير والبر.
4- عظمة هذا الدين وكماله، بحثه على التآلف والتراحم، فيعيش المسلم بين إخوانه وفي كنفهم معززاً مكرماً في عسره ويسره، وقوته وضعفه، وفي سائر أحواله.

اترك رد

آخر الأخبار