لم يكن نابليون بونابرت رجل دولة أو عسكرى عظيم أو راعيآ للحضارة والثقافة كما يدعى البعض بل كان سفاحا
متعطشا للدماء فهذا خطابه لـ زايونشك الحاكم الفرنسى للمنوفية ” لابد أن تكون تعليماتى لتنظيم مديرياتكم قد وصلت
إليك يجب أن تعاملوا الشعب بمنتهى القسوة أنى هنا فى القاهرة أقتل كل يوم ثلاثة وأصدر أوامرى بأن يطاف برؤوسهم
فى شوارع المدينة وهذه هى الطريقة الوحيدة لإخضاع هؤلاء الناس وهذا خطاب آخر للجنرال مينو حاكم رشيد ” إن هذا
الشعب لا يمكن إخضاعه إلا بالقسوة وفى كل يوم أصدر أوامرى بقتل ثلاثة أو أربعة فى القاهرة لقد كنا نتفادى التعرض
لهم حتى نزيل عن سمعتنا وصمة الإرهاب أما الآن فيجب علينا أن نستعمل الوسائل التى تؤدى إلى إخضاع الشعب
وإخضاعه معناه تخويفه ” .
أطلقت القاهرة أحرارها فى 21 أكتوبر 1798م خطبوا وأعلنوا للشعب أن بونابرت طاغية وعدو للشعب وإنه جاء إلى مصر
مستعمرآ وليس صديقا كما يدعى وتجمع الألوف وكان الغضب واضحا على وجوه الكل وجوه التجار الذين أثقلت كواهلهم
الضرائب ووجوه الملاك الذين إفتحم جنود فرنسا بيوتهم ونهبوها ووجوه أصحاب الصناعات الذين ضاقوا بالكساد ثم وجوه
الشعب كله الذى نهش الطاغية حياته وصبغها بالذل وظهرت الأسلحة فى أيدى الثوار وأقبل على القاهرة فى يوم الثورة
فلاحون من ضواحى المطرية وأبو زعبل والخانكة وكان الآحرار قد أرسلوا يستنجدون بهذه القرى
إندفع الجنرال ديبوى حاكم القاهرة على رأس كتيبة من الفرسان ومعه الكابت مورى نحو تجمع للثوار فى بركة الفيل حتى شارع الغورية وحاول أن يشق طريقه وسط الجموع محتميا بدروعه وأسلحته وخيله فإنهالت عليه الأحجار من كل المنازل وفى زقاق ضيق حاصر الثوار الجنود وقائدهم ديبوى وبدأت رقاب جنود بونابرت تتساقط وجاءت كتيبة لنجدة ديبوى وكانت بقيادة السفاح برتلمى الذى كان الناس يسمونه فرط الرومان ولم تمر دقائق إلا وديبوى وبرتلمى وجنوديهما ممزقين تحت جوادهم وذاع الخبر فإمتلاأت قلوب الأهالى حماس وبسالة وإحتل الثوار كل المواقع المحيطة بالقاهرة باب الفتوح وباب النصر وباب زويلة وباب الشعرية وقدم للمساعدة أهالى بلبيس والأهرام ونصبت المتاريس على النواصى وفى الشوارع والميادين
كتب الكولونيل ديتروا شهادته عن الثورة يقول ” 21 أكتوبر 1798 الساعة السادسة صباحا إحتشدت الجموع فى عدة أحياء من القاهرة وصاح المؤذنون من فوق المساجد يطلقون صيحات مثيرة وإندفع الناس مسلحين بالعصى والبنادق وأقفلت الدكاكين وفى الساعة الثامنة صباحا علم رجال بونابرت بهذا الشر فتأهبوا للقتال وكان القائد العام مطمئنا لموقفه فركب جواده وصحبه من القواد كافاريللى ودومارتان وكنت انا معهم وذهبنا نتفقد إستحكامات مصر القديمة وجزيرة الروضة وفى العاشرة صباحا جاء الخبر أن القتال بدأ فى المدينة وأن عددا كبيرا قد قتل من الفريقين وأن الجنرال ديبوى قمندان القاهرة من ضمن القتلى ، ورجعنا إلى المدينة ولما دخلنا من جهة مصر القديمة أمطرنا الثائرون بالحجارة فعدنا أدراجنا إلى بولاق ورأينا المدينة فى حالة فظيعة “
ومر اليوم الثانى كاليوم الأول إنتصارات للشعب وهزائم متتابعة لجيش نابليون ، وفى اليوم الثالت إنهالت آلاف القنابل الثقيلةعلى الأزهر من القلعة ومن المقطم وإنهارت قصور الأعيان وبيوت كثيرة ودفن تحت الأنقاض عدة ألوف من الثوار ويصف الجبرتى هذا اليوم بقوله ” تتابع الرمى من القلعة والكيمان حتى تزعزعت الأركان، وهدمت فى مرورها حيطان الدور ونزلت فى البيوت والوكائل وأصمت الآذان بصوتها الهائل فلما عظم الخطب وزاد الكرب ركب المشايخ إلى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل ويمنع عسكره من الرمى المتواصل فلما ذهبوا إيه عاتبهم فى التأخير وإتهمهم بالتقصير فإعتذروا إليه فقبل عذرهم وأمر برفع الرمى عنهم فقاموا من عنده وهم ينادون بالأمان فى المسالك
لم يكن هؤلاء المشايخ الذى تحدث عنهم الجبرتى سوى رجال ديوان نابليون من أعيان المصريين مشايخ الحرف والصناعات والتجار هؤلاء هم النخبة فى ذلك العصر فشلت الثورة بفعلتهم فى القاهرة لكنها إستمرت فى الأرياف والصعيد وظلت مشتعلة حتى إبريل 1800م لتعاود القاهرة ثورتها الثانية والحاسمة
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.