العاصمة

“طفلة الطريق ” ” من الحياة “

0

بقلم / سميرة داود

في مساء قاهرى خلاب .. بسماء وسحب صافية .. وأضواء تتلألأ عَلى جانبى الطريق .. تخلت الصديقة عن سيارتها وتركتها جانبا .. ومضت بعض وقت تترجل عَلى قدميها .. تتجول في المدينة بخطى حالمة هائمة .. وسط الشخوص والمارة .. تنظر في الافق البعيد .. تتأمل بناياتها ذات الطراز الأوروبى الفاخر .. ذكرياتها في المكان . وإذ بطفلة صغيرة في ريحان الزهور .. يقارب عمرها الحادية عشر .. جميلة الوجه .. رثة الثياب .. عيناها زرقاوان .. شعرها أصفر بلون الذهب .. طويل مسترسل عَلى اكتافها الصغيرة.. وجها خمرى.. يكسوه غبار الايام وقسوة المكان “رغم بناياته الفاخرة “.. تحضن بين يديها وبقوة صندوق كرتوني بمناديل ورقية .. خائفة من سقوطه على رصيف الزحام .. تسير بقدميها الصغيرة .. وسط اجساد ووجوه ثلجية .. غير دافئة لمارة الطريق .. تتذلل لهذا .. وتتحصل عَلى نقود من آخر.. تدثها في جيب ثيابها الرثة البالية.. ترقبها من بعيد .. قريب بعض الشئ .. نظرات حادة لسيدة ترتدي جلباب اسود .. يلتف حولها زهرات من صغار في عمر الطفلة الجميلة ذات الصندوق الكرتونى . ومازالت الصديقة تسير بخطى بطيئة .. حالمة هائمة .. تتفقد المكان .. تستنشق الهواء .. عبير الذكريات . تقترب منها الطفلة الصغيرة .. تشدها من طرف ملبسها .. حتى تلتفت إليها .. وتفيق من نظراتها وتجولها السياحي وسط المدينة . تنبهت الحالمة الهائمة ولمحت الطفلة ذات العينين الزرقاوين والدموع تبلل وجنتيها الحمراوتين .. والفت الحديث معها . وتساءلت ماذا بك صغيرتي الباكية ؟ ولماذا ترجفين هكذا ؟ .

الصغيرة ….
احمل صندوق كرتوني بمناديل ورقية طيلة النهار .. تحصلت على بعض نقود قليلة .. تورمت قداماى .. فهل لك أن تشتري من الصغيرة ما بقى لديها من مناديل ورقية . إن السيدة التي ترمقني من الرصيف الآخر بنظراتها القاسية .. لم تطعمني منذ الصباح الباكر .. حتى أنهي بيعها .

الحالمة الهائمة ….
من هذه السيدة ذات النظرات الحادة القاسية .. هل هى أمك .. قريبتك ؟ .. ام ليست هذه وتلك !! ما قصتك ياصغيرتي ؟

الصغيرة ….

ركبت القطار من مكان بعيد .. سافرت وحدي وحيدة .. هربا من امي وزوجها .. توفى والدي .. تزوجت امي رجلا آخر .. انجبت طفلة رضيعة.. عاملني زوجها بغلظة .. بلا قلب .. بلا رحمة .. اشتكيت إليها .. لم تبالي .. عنفتني .. ابرحتني ضربا.. تشاجرت معها .. هربت من باب الشقة لهثا والما .. وغادرت المكان .. لم تلحق بي .. تركتني عمدا .. سرت في الطريق وحدي وحيدة .. ركبت القطار .. اتيت إلى شوارع قاهرتكم .. التقطتني السيدة ذات الملامح المتهجمة والقلب المتحجر .. ناولتني الصندوق الكرتوني بمناديله الورقية .. اتجول على أرصفة الاماكن والشوارع .. في محاولة لبيعها .. اتلقى نظرات من عيون قاسية جاحدة .. وايادي خنجيرية تعبث بي .. وددت أن أعود إلى قريتي الصغيرة المترامية الأطراف .. ادركت في سني الصغيرة ان امي بحضنها الثلجي وروحها المتجمدة .. ارحم من قلب سيدة وشارع يلتهمك بلا رحمة .. بلا ضمير .. بلا هوادة .. فهلا تنقذيني وتساعديني لحلم العودة .

الحالمة الهائمة ….
حسنا تعالى معي صغيرتي .. ساساعدك .. امسكت بيد الطفلة وسارا معا ..وهى غارقة في بحر أفكارها وتساؤلاتها .. كيف تساندها .. كيف تنقذها من محنة الغوص في طريق بلا عودة . وفي هذه الاثناء ترقب الطفلة الطريق بعيناها الزرقاوان .. ثم تسحب يداها فجأة .. بلا استئذان .. وتركض بعيدا بعيدا . لقد رأت الصغيرة السيدة ذات الملامح القاسية .. تقترب رويدا رويدا .. تحاول التقاطها للمضى معها.. فما كان من الطفلة أن تتوه عمدا .. وسط ماسك الوجوه .. ماسك القلوب .. تاهت طفلة الطريق وسط الزحام . لكن الصديقة لم تعد تنظر في الافق البعيد .. حالمة هائمة وسط المدينة ببناياتها ذات الطراز الأوروبى الفاخر .. واضوائها المتلألأة.. وعبير الذكريات .. بل صارت تدقق وتتفحص وجوه السائرين..لعلها تصطدم يوما .. بطفلة الطريق ذات العينين الزرقاوين .

اترك رد

آخر الأخبار