شاعرات يرفعن لواء الشعر عاليا
بقلم د . شيرين العدوى
على مر العصور كانت الشاعرات يظهرن ويختفين، فدائما صوت الشاعر أقوى وأشد يثبت ذاته، ولم لا؟! ففى يده مفاتيح النقد، وبوق الإعلام، وجرأة الاقتحام ، يخفض ويرفع من يشاء، وبالغ فى الخلط بين العام والخاص فى تداخل مريع جعل صوت الشاعرة خافتا بعض الشىء، أو قل: مغيبا بفعل فاعل، لكن التاريخ ملىء بالنماذج المبهرة التى لم تتم دراستها بما يليق بها. لقد تلقيت أعمالا لشاعرات كتبن بكل ما أوتين من قوة شعرا حقيقيا يقف فى الصدارة وينافح عن الشعر الحقيقى بعيدا عن الجندر، شعر يعبر عن الإنسان يتذوقه كل من يقرأه؛ بل ويقف عاجزا أمام الحبكة والمفارقة والدرامة والسردية، فيخرج مشبعا بالجمال ممتلئا بالحماس لاستكمال مهمته كإنسان على الأرض، فالشعر دورأساسى فى إشباع النفس بالجمال المطلق وسد فرج الحياة، وإقامة التوازن بين الاكتمال والنقصان بإشعال المفارقة المعتمدة على عجينة اللغة. وكانت اللغة فى هذه النماذج رهن بنانهن فشكلن رؤى يصح أن توضع فى مجال التفرد والتميز. وسأقدمهن فى سلسة متتابعة إن شاء الله.. أولى تلك التجارب وبرغم صغر حجمها؛ فإنهاتسلك فى التجارب الجادة المميزة وهوديوان « ذئب يحار فى وداعته» للشاعرة/ سهام محمد قاسم. الديوان فى صورته المقدمة يصور لونا من التجريب يضم لوحات فنية مقطعة تحمل تكثيفا إبداعيا جديدا لفكرة واحدة وهى فكرة الذئب والصياد. تعكس نفسية الذات الشاعرة، ومرايا الوجود فى صور فنية تتسم بالجدة تتكئ على موسيقى قصيدة النثر الداخلية المعتمدة على الصورة والمفارقة ودلالة الرؤية؛ لكنها اعتمدت كثيرا على التناص مع الموروث مما أضر أحيانا بنفسها الشعرى الخاص حاولت توظيفه بمفارقة جديدة، وصور متدفقة، ولغة انسيابية تستند إلى الإرث الشعبى أحيانا والأساطير فى أحايين أخرى بحرفية صانع الصلصال. مما ينم عن موهبة قدمت لنا ديوانا حافلا بانعكاسات النفس وتأملات الذات.. تقول فى قصيدتها التى أسمتها «من حديثٍ ممتد مع صديقى الذئب» وهى حوارية فى قمة الذكاء والألمعية. «ماذا يفعل الذئب إذا أمسك به الراعى؟» .. أتساءل… «يذهب معه لعد غنماته» .. يجيب صديقى الذئب….فالقصة دائما أكبر من غنمة شردت../فالصبى الذى صاح ذات يوم/ أكثر من مرة… «هناك ذئب» ولم يكن هناك؛/ سمح للغنمات بالرحيل،/ والأخوة الذين قاموا/ بتضليل أبيهم …قائلين: «أكله الذئب»/ أضروا بسمعة الذئاب/ فالذئب مسالم بطبعه /حزين،/يخشى على الغنمة الشاردة من الوحدة،/يؤمّن لها مكانا دافئا،/وذكرى أبدية بين أخواتها/أو ربما –لطيبة قلبه – كان يعيدها للمرعى /حين أمسك به الراعى،/فللحقيقة دائما أوجه كثيرة؛ ..فما ذنبه إذا انغرست أنيابه فى رقبتها/ وهى جامحة تحاول الفرار/ولا تريد العودة؟ ..وإن لم يصدّق الراعي؟»..«عندها لن يكون ذئبا حقيقيا» وقد ختمت القصيدة بمقولة ألبير كامو المخادع ذئب يبكى تحت أقدام الراعى. هكذا استلهمت الشاعرة التراث وهضمت الآداب العالمية واستعارت تقنيات السينما والمسرح باستخدام الصوت المضفر والراوى العليم، وسرد المشهد والجمهور. لقد كانت الشاعرة ذئبا حقيقيا اقتنص فريسة اللغة من الراعين.