العاصمة

شئ من وراء العقل …

0

بقلم الكاتبة / غادة العليمى

كنت ارى ان اسوأ ماجلبته لنا توابع ثورة يناير العظيمة ليس التخبط السياسي ولا الاقتصادى الذى دفعنا ثمنهما غالياً جدا وانما غياب الامان فى البيت المصرى اقبح ما مر على مصر هو فترة سقوط النظام وما خلفه من سرقات ونهب وسلب وحرق
عاد الامن لكن لم يعود الشعور معه بالامان وصارت كل مداخل البيوت جميعها تغلق بجنازير واقفال كلما زرت قريب او صديق وقفت على باب بيته يحملق بك الجيران شك وارتياب حتى ينزل اليك احد من اهل البيت الذى تقصد زيارته حاملاً معه مفتاحه ودليل براءتك امام جيرانه انك حبيب ولست عدو وصارت مصاعد العمارات بكروت خاصة ممغنطه لا تستطيع استعمالها فى قضاء مصلحة ،، كأن المنفعة العامة حرام فى الغرباء
حتى فى الشوارع قد لا تستطيع الاقتراب من احد وسؤاله عن أمر او طلب مساعدة من دون ان يتطلع فيك بنظرة كرومبو وشك افلاطون او ان يتركك اتقاء شرك الذى يظنه فيك
كنت اعتقد ان هذا هو اسوأ ما مر علينا فى بلادنا
لم اكن اعرف ان الاسوأ لم يبدأ بعد وانه سيأ تى علينا زمن اخر اكثر قسوة واقل حميمية وطيبة نضع فيه الاقفال على وجوهنا فى صورة كمامة طبية فلا نرى ملامح اصحابنا ولا ابتسامات اهلنا
واننا سنغلق الابواب تماما فى وجه من يزورنا ولا سبيل لتبرءة احد من تهمه نقل العدوى وافشاء الوباء مهما كان قريب لنا
واننا لن نتصافح لا نتلامس لن نجتمع لفرح او عزاء لن نقف صف واحد كبنيان مرصوص فى صلاة
لا سمر فى اجازات عائلية تحب اللمة ، لا مؤازرة فى حزن فقد حبيب لا عناق لا احد يربت على كتف احد مسافات آمنة من الخوف بين الجميع
وكى تنجو من وباء المرض لابد وان تصاب بوباء القسوة والخوف والجمود
شئ من وراء العقل لم اكن اصدقه ككابوس فى نومى حتى صار حقيقية فى يومى

اترك رد

آخر الأخبار