“سطيح” أشهر كاهن عرفته العرب طوال تاريخها، الكاهن الذي تكهّن بخروج النبي صلى الله عليه و سلم ..
ولد “سطيح الغساني” لحمًا على وضم (و الوضم جرائد النخيل)، ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلّا الجمجمة والعنق و الكتفين، ولم يكن فيه شيء يتحرك إلّا لسانه!!
قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كان العرب يضعون مكانة خاصة للكهان ويحترمونهم ويقدرونهم لدرجة أنهم كانو يذهبون إليهم لحل قضاياهم ونزاعاتهم اليومية، كما أن وضع الكهنة قبل بعثة النبي مختلف تمامًا عن وضعهم بعد بعثته لأن الله منع عن الجن أخبار السماء بعد بعثه المصطفى، حيث منع الجن عن أخبار السماء فأن الكاهن سيمنع أيضاً لأن الكاهن يعتمد على الجان حتى يتكهن للناس..
لكن “سطيح” كان كاهن مرعب و غريب الشكل و التصرفات و حتى كلامه لم يكنّ عاديًا أبداً، و سوف نتعرف الآن عنه و قصته من البداية إلى النهاية ..
كان هناك كاهنة كبيرة في قومها تُدعى طريفة الحميرية و كان العرب يعتبروها أم الكهان حتى توفيت وفي نفس عام وفاتها ولد شخص فاقها شراً و رعباً إسمه “ربيع بن ربيعة الغساني”، و أشتهر بأسم ( سطيح ) ..
كان الكهان العرب قديماً يشتهرون بالسجع في كلامهم و السجع: هو توافق العبارات أو الجمل في نهايات الفواصل، قال تعالى (وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) .. و تفسير الآية أن القرآن ليس بقول كاهن والمقصود بقول كاهن ..
و كان “سطيح” من أمهر الكهنة في السجع وكان كلامه فيه قبول عجيب عند المستمع، لكن حياة سطيح تغيرت تماماً عندما قابل “ربيعة بن نصر” و هو أحد ملوك اليمن فبعد أن كان أشهر الكهنة في قومه أنتقل و صار أشهر كاهن عرفته العرب بعد لقاءه بملك اليمن فماذا دار بينهم ؟ ..
رآى “ربيعة بن نصر” ملك اليمن رؤية أفزعته و أرعبته، فطلب جميع الحكماء و العرافين ومن لهم خبرة في تفسير الاحلام ولكن لم يستطيعوا لها جواباً، كان ملك اليمن لا يطمئن لهؤلاء المفسرين فكان لا يقول لهم الرؤية بل يطلب منهم هم أن يعرفون ما هو الحلم و يفسرونه ..
فإذا قال لهم الحلم يخشى أن يخدعوه ويقولون أي تفسير كاذب لذلك كان يطلب منهم الحلم و تفسيره حتى يضمن أن تفسيرهم سيكون صحيح ..
في نفس الوقت الذي كان العرافين و الكهنة يفشلون الواحد تلو الاخر في معرفه حلم الملك و تفسيره كان سطيح يأتوه الناس من جميع القبائل العربية للفصل بين مشاكلهم و تفسير أحلامهم و لكي يتكهن بمستقبلهم، و كانت شهرته لا توصف عند العرب ذاك الوقت
و بالفعل دعى الملك سطيح و قال له مثل ما قال لغيره، لن أقول لك الحلم و لكن أريدك أن تقول لي ما كان الحلم الذي حلمت به و ما هو تفسيره، و وافق سطيح و قال له سوف أجيبك، و بالفعل أجابه وحدثت واحدة من أشهر حوارات العرب عبر التاريخ ..
قال “سطيح” للملك .. رأيت أيها الملك حمحمه (أي فحمة فيها نار) خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة(الأرض المتصوبة نحو البحر) فأكلت منها كل ذات جمجمة. فقال الملك: ما أخطأت منها شيئا يا سطيح، فما عندك في تأويلها؟ ..
فقال: أحلف بما بين الحرتين من حنش، لتهبطن أرضكم الحبش، فلتملكن ما بين أبين وجرش (و هي مدن كانت في اليمن اليمن) بمعنى أن الحبش سوف يحتلون اليمن و سوف يتملكون أراضيها ..
فقال الملك: و أبيك يا سطيح، إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ أفي زماني أم بعده؟ قال: لا بل بعده بحين، أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين قال: هل يدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟ قال: لا بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين ثم يقتلون ويخرجون هاربين
قال الملك:ومن يلي ذلك من قتلهم و إخراجهم؟ (أي من الذي سوف يقتلهم و يطردهم ) قال: يليه إرم بن ذي يزن (و يقصد بذلك سيف بن ذي يزن) يخرج عليهم من عدن فلا يترك أحداً منهم باليمن و يحكم اليمن بعدهم ..
قال الملك: أفا يدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟ قال سطيح: لا بل ينقطع قال الملك: و من يقطعه؟ قال سطيح: نبي زكي يأتيه الوحي من قِبَلِ العلي قال الملك: و من هذا النبي؟ قال سطيح: رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر.
قال الملك: و هل للدهر من آخر؟ قال سطيح: نعم يوم يجمع فيه الأولون و الآخرون يسعد فيه المحسنون و يشقى فيه المسيئون قال الملك: أحق ما تخبرني؟ قال سطيح: نعم و الشفق و الغسق إن ما أنبأتك به لحق.
و كل ما أخبره سطيح للملك حدث كاملاً فأحتل الاحباش🇪🇹 اليمن🇾🇪 لمدة تتجاوز الـ 70 عام ثم جاء سيف بن ذي يزن وطردهم وحكم حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان يقصده سطيح عندما قال نبي زكي يأتيه الوحي من العلي ..
بعض الكتب ذكرت أن سطيح عاش 140 سنه و أكثر و أيضاً ذكر في بعض الأقوال أنه تجاوز الـ 150 عام و لكن جميعها ليست مؤكدة..
قال “الحافظ ابن حجر العسقلاني” في “فتح الباري”: “كانت إصابة الكهان قبل الإسلام كثيرة جداً، فلما جاء الإسلام و نزل القرآن حرست السماء من الشياطين، و أرسلت الشهب فبقي من استراقهم ما يخطفه الأعلى فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب “.. و إلى ذلك الإشارة بقوله تعالى ( إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب).
عن أمنا عائشة رضوان الله عليها قالت: سئل رسول الله صل الله عليه وسلم عن الكهان فقال: ليسوا في شيء
قالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحياناً بالشيء فيكون حقاً؟ قال رسول الله صل الله عليه و سلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة.
لااله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير .
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.