ومهما يكن من أمر، فإن الاحتفال بشهر رمضان بلغ ذروته من العظمة على عصر سلاطين المماليك في مصر، وساعد على ذلك ما تمتعت به مصر في ذلك العصر من ثروة طائلة، فضلاً عن ضعف الخطرين الصليبي والمغولي في أواخر ذلك العصر، وقد وصف الرحالة ابن بطوطة طريقة احتفال المصريين في القرن الثامن الهجري برؤية هلال رمضان، وكان ذلك بمدينة إبيار، فقال إنه في يوم الركبة – وهو يوم ارتقاب هلال رمضان ويوافق التاسع والعشرين من شعبان – اجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر بدار القاضي الشافعي، وكان يقف على باب الدار نقيب المتعممين، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الأعيان للقاء ذلك النقيب ومضى بين يديه قائلاً: «بسم الله سيدنا فلان الدين»، فيقوم القاضي ومن معه ويجلسه النقيب في موضع يليق به، وعندما يتكاملون هنالك يركبون جميعًا وعلى رأسهم القاضي ويتبعهم من بالمدينة من الرجال والصبيان حتى إذا ما انتهوا إلى موضع مرتفع خارج المدينة وهو مرتقب الهلال ينزل القاضي ومن معه يرتقبون الهلال، وبعد صلاة المغرب يعودون جميعًا وبين أيديهم الشموع والمشاعل والفوانيس، أما إذا حدث ارتباك بسبب كثرة السحب أو رؤية الهلال في بعض الجهات وعدم رؤيته في البعض الآخر فإن الحاضرين يكتفون بشهادة اثنين من الرجال، وبعد ثبوت الرؤية يوقِد التجار الشموع بحوانيتهم وتكثر الأنوار في الطرقات والدروب والمساجد وبذلك يتحول الليل نهارًا طيلة شهر رمضان.
وقد شهد أحد الرحالة الأجانب في عصر المماليك – هو برنارد دي بريدنباخ – ليالي رمضان في القاهرة فوصف وسائل السرور عند الناس، ومنها الغناء ودق الطبول طول الليل حتى تعذر عليه النوم، أما فابر الذي زار مصر سنة 1483م فدهش ليلة دخوله القاهرة لكثرة الأنوار والمشاعل في الطرقات، والفوانيس المختلفة الأشكال التي يحملها الكبار والصغار، ولما استفسر عن سبب كل هذه الجلبة قيل له إن الشهر رمضان، وأن المسلمين يحتفلون به على ذلك الوجه، كذلك لاحظ الرحالة سيمون سيجولي أن الحوانيت – لا سيما محال الطعام والمطابخ – تظل أبوابها مفتوحة طوال ليالي شهر رمضان. ويذكر ابن الحاج في كتابه «المدخل» أن المدن المصرية في عصر المماليك اختلفت في طريقة التسحير، ففي القاهرة ومصر جرت العادة أن يطوف أصحاب الأرباع وغيرهم بالطبلة على البيوت وهم يضربون عليها، أما أهل الإسكندرية فاعتادوا أن يكون التسحير بدق الأبواب على أصحاب البيوت والمناداة على كل فرد باسمه، ويذكر السخاوي أن بعض العلماء اقترح على السلطان برسباي سنة 830 هـ عدم إطفاء القناديل في رمضان إلا قبيل طلوع الفجر، إيذانًا بآخر فرصة للتسحير.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.