طارق سالم
في هذا الشهر الكريم تتنزل رحمات الله على عباده فتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار ويقَيد مردة الجان والشياطين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت
أبواب النار وصفدت الشياطين) أن أبواب الجنة تفتح على الحقيقة في رمضان وتغلق
أبواب النار وتقيد الشياطين وهؤلاء الشياطين هم خلق من خلق الله وهم ذرية
إبليس لعنه الله وهم أجسام يأكلون ويشربون ويولدون ويموتون وقالوا بأن الشياطين
يقيدون عن الصائمين الذين يحافظون على الصيام بشروطه ومنهم من قال بأن الشر
الواقع في هذا الشهر ليس شرطا أن يكون بسبب الشياطين وحدهم وإنما قد يقع
من النفس الخبيثة والعادات السيئة وشياطين الإنس. إن المقصود بفتح أبواب الجنة
وإغلاق أبواب النار المعنى المجازي فقالوا بأن معنى الباب هو الطريق والسبيل
ومعنى فتحت أبواب الجنة أي كثرت الطاعات التي هي طريق موصل إلى الجنة وغلقت أبواب النار بالانقطاع عن الكثير من المعاصي .
لذلك وجب على المسلم أن يستفيد من هذه الهبات الربانية ويشكر نعمة الله عليه
ويكون هذا الشكر بالإخلاص في عبادة الله وحسن الصيام والبعد عن كل ما يشوبه وبذلك يخرج من رمضان فائزاً بعفو الله ورضاه .
الله عز وجل تفضل علينا بشهر كريم تتسع فيه الرحمات وتعم فيه البركات ويكثر فيه
أعمال البر والخير و التراحم بين المسلمين كالإطعام وتفطير الصائمين والصدقة على
المحتاجين والعطف على الفقراء والرحمة بالمساكين والتوسع في الصدقات
فرمضان شهر الرحمة وهي فضل من الله تعالى يضعها في قلب من يشاء وإنما
يرحم الله من عباده الرحماء فالمسلم إذا صام وذاق ألم الجوع شعر بالعطف على الفقراء ورحم المساكين وسارع بأداء الصدقة للمحتاجين.
وإذا فقد الإنسان الرحمة فلأسباب كثيرة منها: كثرة الذنوب والمعاصي فإنها تتراكم
على القلب، حتى يعمى ويصبح أشد قسوة من الحجارة قال الله تعالى عن بني
إسرائيل: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} ومما يذهِب الرحمة الطغيان بالمال والتكبر بالغنى قال سبحانه: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}. ويوم يهذب القلب بالإيمان والعمل الصالح يمتلئ رحمة وحنانًا ولعل من الأسباب في ضعف الرحمة كثرة الشبع فإنه يورث الأشر والبطر ولذلك جاء شهر الصيام ليكسر هذا الجموح ويحطم هذا التفلُّت .
فالصائم من أرحم الناس لأنه ذاق الجوع ووجد الظمأ وعاش المشقة فبدأت نفسه تتوق لرحمة المسلمين والحنان إليهم واللطف بهم.
• من رحمات الله تبارك وتعالى بالناس في شهر رمضان .
أن تفضل ربنا سبحانه وتعالى علينا بأنه من صام رمضان إيماناً به واحتساباً له غفر الله تعالى له ما تقدم من ذنبه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه» (إيمَانًا وَاحْتِسَابًا) إيماناً وتصديقا باللهِ ورضاً بفرضيَّةِ الصَّومِ عليهِ واحتساباً لثَوابه وأجرهِ والنبي صلى الله عليه وسلّم قال: “الصَّلواتُ الخَمْسُ والجمعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ، مُكفِّراتٌ مَا بينهُنَّ إذا اجْتُنِبت الْكَبَائر.
• ومن رحمة الله تعالى بعباده في رمضان أن منحهم ليلة القدر:
التي تعدل عبادة ثلاث وثمانين سنة تقريبا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم ومن قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه”
• المبادرة بالتوبة حتى تتنزل علينا الرحمات:
فما أجمل أن نستقبل هذا الشهر بتوبة تسمو بها النفوس واستغفار يمحو الخطايا ويغفر الذنوب ونستغفر الله العظيم من كل ذنب اقترفناه حتى لا يصدنا هذا الذنب عن طاعة الله، فنقبل على ربنا بقلوب خاشعة ملؤها الوجل وألسنة ذاكرة ونفوس ذليلة منكسرة تبحث عن الفلاح والرحمة {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} .
• ومن رحمة الله بعباده أنه أرشدهم لمواسم الطاعات العظيمة :
كشهر رمضان ودلنا عليها وأرشدنا إليها وإلى طريق الوصول لرحمته ومغفرته رأفة ورحمة بنا؛ لنغتنمها في طاعته ليغفر لنا الذنوب ويدخلنا في عفوه وكرمه ورحمته ومن رحمة الله بعباده أن منح عباده الصائمين بعد إفطارهم عند غروب الشمس بعد صيام نهار رمضان منحهم وقتًا متسعا ليتوسعوا في تناول ما حرموا منه أنفسهم وقت الصيام من طعام وشراب وشهوة طاعة لله تعالى في نهار رمضان فالله تعالى رحيم بعباده فما أحوجنا في رمضان إلى تلمس هذه الرحمات ونحن بحاجة لتوبة صادقة ومجاهدة مستمرة للنفس لتسير على طريق الهداية وتتمسك بالاستقامة وتبتعد عن طرائق المعاصي والغواية.